الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الرجل يجعل أمر امرأته بيد غيرها

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يجعل أمر امرأته بيد غيرها.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: القضاء ما قضى، وإن رده فواحدة وهو أحق بها، كذلك قال الحسن البصري.

                                                                                                                                                                              وقال الزهري: القضاء ما قضى.

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة: تكون واحدة، وهو أحق بها، كذلك قال النخعي .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا جعل أمر امرأته بيد غيرها فقام الرجل قبل أن يقضي في ذلك شيئا فلا أمر له.

                                                                                                                                                                              روي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال مالك وأصحاب الرأي إذا افترقا من ذلك المجلس ولم يقض شيئا.

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة: الأمر بيد من جعل الأمر إليه، وإن تفرقا من المجلس، كذلك قال الزهري، وقتادة .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : إذا قال الرجل لآخر: أمر امرأتي بيدك، فليس له أن يرجع إلا أن يرد عليه الرجل، وحكي عن الشافعي أنه قال: وإذا ملك غيرها أمرها فهذه وكالة متى أوقع الطلاق وقع، ومتى شاء الزوج أن يرجع فيه رجع.

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : إذا جعل أمر امرأته في يد رجل أو عبد أو صبي أو مجنون فالأمر في يده حتى يخرجه منه أو يطلق على ما أمره الزوج. [ ص: 229 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا جعل أمر امرأته بيد صبي أو كافر أو مجنون أو عبد فهو في يده ليس له أن يخرجه منه ما دام في المجلس، فإذا قام من ذلك المجلس قبل أن يقول شيئا فهي امرأته.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: جعل الله الطلاق إلى الأزواج، والطلاق بأيديهم، فإن جعل الأزواج ما بأيديهم من ذلك إلى غيرهم قام الذي جعل إليه الزوج الطلاق مقام الزوج كالوكيل، وإذا كان ذلك كذلك فللوكيل أن ينفذ ما وكل به في ذلك الوقت وبعد افتراقهم من ذلك الموضع، وليس للوكيل أن يتعدى ما أمره به الزوج، وللزوج إخراج من جعل ذلك إليه مما وكل فيه.

                                                                                                                                                                              وكذلك إن طلق من جعل إليه الزوج الطلاق، وكان ما جعل إليه من ذلك طلاقا يملك فيه الرجعة فللزوج الرجعة، وإن جعل الزوج إلى الموكل أن يطلقها ثلاثا فطلقها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن جعل إليه طلقة أو اثنتين فطلق ثلاثا كان ما زاد على ما جعل إليه من ذلك باطلا، وليس يبطل ما جعل الزوج إلى المرأة من ذلك بأخذه أو أخذها في غير ذلك الحديث، أو بوطئه إياها إلا بإخراج الزوج ذلك من يد من جعل ذلك بيده، أو إخراج الوكيل نفسه من الوكالة.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يجعل أمر امرأته بيدها إلى أجل.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: هو بيدها إلى ذلك الوقت، كذلك قال سفيان، وقال غيره: هو بيدها ما لم يصبها.

                                                                                                                                                                              هذا قول الحسن البصري، وقتادة .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قاله مالك في الذي يقول لامرأته: أمرك بيدك إلى [ ص: 230 ] شهر، فالمرأة تسأل مكانها، فإذا قضت في نفسها، وإما ردت فلا تؤخر إلى ذلك الأجل.

                                                                                                                                                                              وإذا قال رجل لامرأته: طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة، لزمه طلقة في قول الشافعي، ويعقوب، وابن الحسن .

                                                                                                                                                                              وفي قول النعمان: لا يقع طلاق.

                                                                                                                                                                              وقال مالك في الرجل يملك امرأته وينوي ثلاث تطليقات فقضت بتطليقة: إنها تطليقة ولا تكون ثلاثا.

                                                                                                                                                                              وحكي عن عبيد الله بن الحسن أنه قال كما قال النعمان.

                                                                                                                                                                              وإذا قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا وقعت واحدة في قول الشافعي، ويعقوب، وابن الحسن .

                                                                                                                                                                              وفي قول النعمان: إذا قال: طلقي نفسك واحدة إن شئت، فقالت: قد طلقت نفسي ثلاثا، كان باطلا.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية