الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1675 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، نا محمد بن يحيى، نا يزيد بن هارون، نا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد من طريق أبي هريرة، وأخرجه مسلم من رواية حكيم بن حزام.

                                                                            قوله: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"، أي: غنى يعتمده، ويستظهر به على النوائب التي تنوبه، كما قال في رواية أخرى عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن خير الصدقة ما ترك غنى"، يعني: خير ما تصدقت به الفضل عن قوت عيالك وكفايتهم.

                                                                            قال ابن عباس في قوله عز وجل: ( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) ، أي: ما فضل من أهلك. [ ص: 180 ] .

                                                                            وقيل في قوله: "خير الصدقة ما ترك غنى"، أي: ما أغنيت به من أعطيت عن المسألة، يريد إجزال العطاء والإكثار منه، والأول أولى.

                                                                            قال رحمه الله: وقد روي في الرخصة في الخروج عن المال، عن أبي هريرة، أنه قال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل".

                                                                            وروى عمر رضي الله عنه، قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا ". [ ص: 181 ] .

                                                                            قال رحمه الله: والاختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتا لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلا على الناس، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لما علم من قوة يقينه، وصحة توكله فلم يخف عليه الفتنة، كما خافها على غيره.

                                                                            أما من تصدق وأهله محتاجون إليه، أو عليه دين، فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى، إلا أن يكون معروفا بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، كفعل أبي بكر، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله: ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ، وهي الحاجة والفقر.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية