الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            238 - أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الحنيفي، أنا أبو الحارث [ ص: 461 ] طاهر بن محمد الطاهري، أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن حليم، حدثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه، أنا صدقة، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ الحارثي، قال: " سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: ائت عليا، فإنه أعلم مني بذلك، فأتيته، فسألته، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثا ".

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن زهير بن حرب، عن أبي معاوية.

                                                                            قال الإمام رضي الله عنه: ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة، فمن بعدهم إلى توقيت المسح على الخفين على ما ورد في الحديث، وهو قول علي، وابن مسعود، وابن عباس، وإليه ذهب من التابعين عطاء، وشريح، وغيرهما، وبه قال الأوزاعي، وابن المبارك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق.

                                                                            وابتداء المدة من أول حدث يحدثه بعد لبس الخف عند أكثرهم، وقال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق : "ابتداء المدة من وقت المسح". [ ص: 462 ] .

                                                                            وذهب مالك إلى أنه لا تقدير لمدة المسح، بل له أن يمسح ما لم يلزمه الغسل، يروى ذلك عن عمر، وعثمان، وعائشة لما روي عن خزيمة بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم "المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم" قال: ولو استزدناه لزادنا.

                                                                            والعامة على التوقيت، وقوله: "لو استزدناه لزادنا" ظن منه لا يجوز ترك اليقين به.

                                                                            وإذا انقضت مدة المسح، أو نزع الخف في أثناء المدة، أو تخرق شيء من خفه في محل الغسل بحيث ظهر بعض رجله، يجب عليه غسل الرجلين، وهل يجب عليه استئناف الوضوء؟ اختلف أهل العلم فيه، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجب ذلك، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي، وأصح قولي الشافعي. [ ص: 463 ] .

                                                                            وأوجب قوم استئناف الوضوء، وهو قول ابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق .

                                                                            وقال الأعمش، عن إبراهيم : إنه مسح على خفيه، ثم خلعهما وصلى.

                                                                            ومسح أعلى الخف واجب، ومسح أسفله سنة عند بعض أهل العلم، لما روي عن المغيرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم "مسح أعلى الخف وأسفله".

                                                                            والحديث مرسل، لأنه يرويه ثور بن يزيد، عن رجاء ابن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة، وثور لم يسمع هذا من رجاء، قال أبو عيسى : سألت أبا زرعة، ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، قالا: ليس بصحيح، إليه ذهب من الصحابة ابن عمر، وسعد، وبه قال الزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق .

                                                                            وذهب جماعة إلى أنه لا يمسح أسفل الخف، وهو قول الشعبي، والنخعي، وإليه ذهب الأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي، روي عن عروة بن الزبير، عن المغيرة، قال: "رأيت رسول الله مسح على الخفين [ ص: 464 ] على ظاهرهما".

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية