الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الخامس عشر : المعارضة في الأصل بمعنى آخر ; إما مستقلا ، كمعارضة الطعم بالكيل ، أو القوت ، أو غير مستقل ، كمعارضة القتل العمد العدوان بالجارح .

            والمختار : قبولها .

            لنا : لو لم تكن مقبولة ، لم يمتنع التحكم ; لأن المدعي علة ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال من وصف المعارضة . فإن رجح بالتوسعة ، منع الدلالة . ولو سلم ، عورض بأن الأصل انتفاء الأحكام ، وباعتبارهما معا .

            وأيضا : فلما ثبت أن مباحث الصحابة كانت جمعا وفرقا ، قالوا : استقلالهما بالمناسبة يستلزم التعدد .

            [ ص: 213 ] قلنا : تحكم باطل ، كما لو أعطى قريبا عالما .

            التالي السابق


            ش - الاعتراض الخامس عشر : المعارضة في الأصل بمعنى آخر غير ما علل به المستدل ، وهو إما مستقلا بالتعليل ، مثل ما إذا علل المستدل الحكم بمعنى ، وأثبته بطريق ، وأبدى المعارض معنى آخر في الأصل ، وأثبت عليته بطريقه ، كمعارضة من علل حرمة الربا في البر بالطعم بالقوت أو بالكيل .

            وإما غير مستقل بالتعليل ، مثل : ما إذا علل المستدل الحكم بمعنى وأثبته بطريق ، وأبدى المعارض معنى آخر في الأصل ، وأثبت كونه جزءا من العلة في الأصل ، كمعارضة من علل وجوب القصاص بالقتل العمد العدوان بالجارح في الأصل على وجه يكون وصف الجارح جزءا من العلة في الأصل .

            واختلف في قبول القسم الثاني ، واختار المصنف قبوله . واحتج عليه بوجهين :

            الأول : لو لم تكن المعارضة بالقسم الثاني مقبولة ، لزم أن لا يمتنع التحكم ، والتالي باطل .

            [ ص: 214 ] بيان الملازمة أن دليل المستدل دل على علية الوصف المدعى علة بالاستقلال ، ودليل المعترض على عليته بالجزئية ، فلو لم تقبل المعارضة ، لزم التحكم ; لأن الوصف المدعى علة ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال ، فكما جاز أن يكون علة مستقلة ، جاز أن يكون جزء علة ، فالقول بكونه علة مستقلة تحكم .

            فعلى هذا قول المصنف : " من وصف المعارضة " بعد قوله : " لأن المدعى علة ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال " زائد لا فائدة فيه . وقرر بعض الشارحين بيان الملازمة بوجه آخر ، وهو أن الدليل دال على علية كل واحد من الوصفين ، أعني وصف المستدل ووصف المعارضة ، سواء كل واحد مستقلا ، كالطعم أو القوت ، أو غير مستقل ، كالقتل العمد العدوان إذا جعله الشافعي علة ، وزاد عليه الحنفي بالجارح ، حتى يكون المجموع علة . فإنه إذا لم يقبل ، وجعل أحد الوصفين علة ، لزم ترجيح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح .

            ثم قال : وعبارة المصنف ، أعني الدليل وبيان الملازمة ، وافق عقد المسألة في العموم لا التمسك ، فإن قوله : " ليس [ ص: 215 ] بأولى بالجزئية أو بالاستقلال " يشمل ما إذا كان الوصف المدعى علة مركبا والمعترض أخذ جزءا منه ، وادعى الاستقلال ، وما إذا كان المدعى علة وصفا وضم إليه المعترض وصفا آخر على ما ترى إذا نظرت فيه .

            وعلى هذا لا يكون قوله : " من وصف المعارضة " زائدا .

            وفيما ذكره هذا الشارح نظر ; لأن قول المصنف : " ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال " لو كان شاملا لما إذا كان الوصف المدعى علة مركبا ، والمعترض أخذ جزءا منه وادعى الاستقلال ، لزم أن لا تقبل المعارضة ; لأنه حينئذ لا يكون إثبات علية جزء المدعى علة مفيدا للمعترض ; لأنه لو ثبت علية جزء المدعي علة ، يلزم الحكم في الفرع ضرورة وجود الجزء الذي هو العلة المستقلة على زعم المعترض فيه ، فلا تكون المعارضة مفيدة .

            هذا ما ظهر لي ، فإن رجح المستدل استقلال وصفه على جزئيته بالتوسعة في الأحكام ، فإنه إذا كان مستقلا ، ووجد الفرع ، كالقتل العمد العدوان في القتل بالمثقل ، ثبت الحكم في الفرع ، فيتوسع الحكم في الأصل والفرع ، فيكون أكثر فائدة ، فيكون أرجح .

            بخلاف ما إذا كان جزء علة ، فإنه لم يلزم من وجوده في [ ص: 216 ] الفرع ثبوت الحكم فيه ، كالقتل العمد العدوان ، إذا كان جزء علة ، والعلة مجموع القتل العمد العدوان مع قيد كونه بالجارح ، فإنه حينئذ لم يلزم من وجود القتل العمد العدوان في القتل بالمثقل وجوب القصاص فيه ، فللمعترض أن يمنع دلالة الاستقلال على التوسعة ، ولو سلم دلالة الاستقلال على التوسعة ، عورض برجحان الجزئية بوجهين :

            الأول : أن الجزئية توجب انتفاء الحكم في الفرع ، وانتفاء الأحكام موافق للأصل ، وما يوافق الأصل أرجح .

            الثاني : أن الجزئية توجب اعتبار وصف المستدل ، واعتبار وصف المعارض ، واعتبار الوصفين أولى من إهمال أحدهما .

            الثاني : أنه ثبت أن مباحث الصحابة كانت جمعا وفرقا ، وهو دليل على قبول المعارضة بكون المدعى علة غير مستقلة بالعلية ، بل بكون جزء علة .

            أما الأول فبالنقل عنهم ، وأما الثاني ; فلأن الفرق إنما يتحقق بكون ما جعل المستدل علة جزء علة .

            [ ص: 217 ] المانعون من قبول هذه المعارضة قالوا : لو قيل : هذه المعارضة ، يلزم استقلال كل واحد من وصفي المستدل والمعارض بالعلية ، واستقلالهما بالعلية يستلزم تعدد العلة المستقلة ، وهو باطل .

            أجاب بأنه لو لم يقبل ، لزم إسناد الحكم إلى أحد الوصفين ، وإسناد الحكم إلى أحد الوصفين دون الآخر مع الدلالة على علية كل منهما تحكم باطل ، كما لو أعطى قريبا عالما . فإن إسناد الإعطاء إلى القرب أو العلم تحكم ، فيجب أن يسند الحكم إلى مجموعهما .

            فالقبول لا يوجب الاستقلال لجواز الإسناد إلى المجموع حينئذ .




            الخدمات العلمية