الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                37 - يصح استئجار الحاج عن الغير وله أجر مثله

                التالي السابق


                ( 37 ) قوله : يصح استئجار الحاج عن الغير وله أجر مثله إلخ . أقول : الصواب لا يصح لقوله بعد وله أجر مثله ، لأنه لو صح الاستئجار لكان له المسمى ; قال المصنف رحمه الله في البحر وذكر الإسبيجابي أنه لا يجوز الاستئجار على الحج ولا على شيء من الطاعات فلو استأجر على الحج ودفع إليه الأجر فحج عن الميت فإنه يجوز عن الميت يعني وإن لم يجز الاستئجار ، وله من الأجر مقدار نفقة الطريق في الذهاب والمجيء ويرد الفضل على الورثة لأنه لا يجوز الاستئجار عليه ولا يحل له أن يأخذ الفضل لنفسه إلا إذا تبرع الورثة وهم من أهل التبرع ، أو أوصى الميت بأن الفضل للحاج على ما هو أصح ( انتهى ) .

                وفي الخانية : إذا استأجر المحبوس رجلا ليحج عنه حجة الإسلام فحج جازت حجة عن المحبوس إذا مات في الحبس ، وللأجير أجر مثله في ظاهر الرواية ( انتهى ) .

                فهذا نص على أنه لا صحة لقول المصنف رحمه الله : يصح استئجار الحاج . فإنه لم يقل في الخانية يصح استئجار الحاج عن الغير ، وإنما قال جازت الحجة إلخ . وقد أشار قاضي خان إلى عدم صحة الإجارة بقوله وللأجير أجر مثله لأنه المستحق في الإجارة الفاسدة بخلاف الإجارة الصحيحة ، فإن المستحق هو الأجر المسمى في العقد ، فلو صحت الإجارة للحج لحكم له بالمسمى . قيل : قول قاضي خان [ ص: 94 ] وللأجير أجر مثله مشكل لأن هذه النفقة ليست يستحقها بطريق العوض بل بطريق الكفاية لأنه فرغ نفسه لعمل ينتفع المستأجر به . هذا وإنما جاز الحج عنه لأنه لما بطلت الإجارة بقي الآمر بالحج فيكون له نفقة مثله وبه عبر الحاكم الشهيد في الكافي ( انتهى ) .

                وأجيب عن قاضي خان بأنه أراد ما قاله الحاكم الشهيد ، غير أنه عبر عن نفقة المثل بأجر المثل لمشاكلة صيغة العبارة المناسبة للفظ الإجارة ، وبه يزول الإشكال ( انتهى ) .

                وفيه أن المشاكلة إنما تحسن في المقامات الخطابية لا في إفادة الأحكام الشرعية ، وقد علم مما تقدم أن الاستثابة للحج عن غير الاستئجار عليه ، والفرق بينهما أنه لا يملك النفقة المدفوعة إليه بالاستثابة والأجير يملك الأجرة المعجلة لو صحت الإجارة وإنه لا صحة للإجارة على الحج فلعدم ملك ما عجل له من الأجرة على الحج برد الفاضل منها كما تقدم ، وعلم أنه لا يلزم من عدم صحة الإجارة على الحج عدم وقوع الحج عن المستأجر ، بل يقع عنه لما أنه لما لم يصح بقي الإذن بالحج عنه فيصح عنه ويستحق النائب نفقة مثله من تلك الأجرة بحسب الحال ، فكان مثل قول أئمتنا الكفالة بشرط البراءة حوالة ، والحوالة بشرط عدم البراءة كفالة اعتبارا للمعنى فتكون الإجارة لحج إنابة باعتبار المعنى لصحة الحج عن المستأجر . ثم اعلم أن الأعمال ثلاثة أنواع : ما يجوز فيه الأرزاق والإجارة كبناء المساجد ونحوها ، وما يمتنع فيها الإجارة دون الأرزاق كالقضاء والإفتاء ، وما اختلف في جواز الإجارة فيه دون الأرزاق كالإمامة والأذان والحج . ومنع الشافعي الاستئجار بالنفقة للجهالة وجوزه مالك قياسا على استئجار الظئر بطعامها . ومن وجب عليه الحج وأخر ومات عن غير وصية يأثم بلا خلاف وإن وجب عليه ولم يؤخره فخرج مع الناس عام وجوبه فمات في الطريق فليس عليه أن يوصي به إلا أن يتطوع لأنه لم يؤخره بعد الوجوب فاغتنم هذه المسألة . كذا في المنبع ثم قال : وليس هذا كمن صام إلى نصف النهار فمات يجب عليه الإيصاء بفدية صوم هذا اليوم كاملا انتهى .

                قيل : ينظر الفرق بينها فإن لم يؤخره فهو كالحج فلا فرق بينهما في نفي لزوم الإيصاء فيهما ( انتهى ) .

                أقول : الفرق بينهما أن في الصوم شرع وفي الحج لم يشرع في شيء من أعماله وإنما وجب فدية اليوم كاملا لأن الصوم لا يتجزأ فكذا فديته




                الخدمات العلمية