الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                الثامن في بيان عدم اشتراطها في البقاء وحكمها مع كل ركن قالوا : في الصلاة لا تشترط النية في البقاء للحرج كذا في النهاية ، فكذا في بقية العبادات وفي القنية لا تلزم نية العبادة في كل جزء إنما تلزم في جملة ما يفعله في كل حال ، وفي البناية افتتح المكتوبة 334 - ومن الغريب ما في المجتبى : ولا بد من نية العبادة ، وهي التذلل ، والخضوع على أبلغ الوجوه ونية الطاعة ، وهي فعل ما [ ص: 159 ] أراد الله تعالى منه ونية القربة ، وهي طلب الثواب بالمشقة في فعلها 335 - وينوي أنه يفعلها مصلحة له في دينه 336 - ، وأن يكون أقرب إلى ما وجب عنده عقلا من الفعل وأداء الأمانة وأبعد عما حرم عليه من الظلم وكفران النعمة ، ثم هذه النيات من أول الصلاة إلى آخرها خصوصا عند الانتقال من ركن إلى ركن ، ولا بد من نية العبادة في كل ركن ، والنفل كالفرض فيها إلا في وجه واحد 337 - وهو أن ينوي في النوافل أنها لطف في الفرائض وتسهيل لها 338 - والحاصل أن المذهب المعتمد أن العبادة التي هي ذات أفعال [ ص: 160 ] يكتفي بالنية في أولها ، ولا يحتاج إليها في كل فعل اكتفاء بانسحابها عليها ، إلا إذا نوى ببعض الأفعال غير ما وضع له ، قالوا لو طاف طالبا لغريم لا يجزيه ، ولو وقف كذلك بعرفات أجزأه وقدمناه .

                339 - والفرق أن الطواف عهد قربة مستقلة بخلاف الوقوف ، وفرق الزيلعي بينهما بفرق آخر ، وهو أن النية عند الإحرام تضمنت جميع ما يفعل في الإحرام فلا يحتاج إلى تجديد النية ، والطواف يقع بعد التحلل وفي الإحرام من وجه [ ص: 161 ] فاشترط فيه أصل النية لا تعيين الجهة ، وقالوا : لو طاف بنية التطوع في أيام النحر وقع عن الفرض ، ولو طاف بعد ما حل النفر ، ونوى التطوع أجزأه عن الصدر كما في فتح القدير 340 - وهو مبني على أن نية العبادة تنسحب على أركانها 341 - واستفيد منه أن نية التطوع في بعض الأركان لا تبطله ، وفي القنية : وإن تعمد أن لا ينوي العبادة ببعض ما يفعله من الصلاة لا يستحق الثواب ، ثم إن كان ذلك فعلا لا تتم العبادة بدونه فسدت وإلا فلا ، وقد أساء ( انتهى )

                التالي السابق


                ( 334 ) قوله : ومن الغريب ما في المجتبى إلخ ، قيل : إن أراد الغرابة من حيث النقل فغير مسلم ، وإن أراد من جهة تفسير العبارة بما ذكر فهي بهذا التفسير للعلامة البقاعي في مناسباته عند قوله تعالى { { إياك نعبد } } ( انتهى ) . أقول : لم يرد واحدا [ ص: 159 ] منهما ، وإنما أراد أن الغرابة في كون هذه الأشياء لا بد من نيتها ، فإن الفقهاء لم يذكروا ذلك في كتبهم متونا وشروحا وفتاوى . ( 335 ) قوله : وينوي أنه يفعلها ، عطف على قوله : نية العبادة بعد تقدير السابك والسبك بالمصدر . ( 336 ) قوله : وأن يكون عطف على قوله : أنه يفعلها إلخ أي وينوي حينئذ كون فعلها أقرب إلى ما وجب عقلا وأبعد عما حرم إلخ عطف على أقرب أي وينوي كون فعلها أبعد . ( 337 )

                قوله : وهو أن ينوي في النوافل أنهما لطف في الفرائض وتسهيل لها . أقول : إنما كانت النوافل لطفا في الفرائض ، باعتبار أنها مكملات وجوابر للفرائض فكانت رفقا في أدائها ; وقد ورد في الحديث { أن النوافل جوابر الفرائض } ، قال البيهقي : معناه أنها تجبر السنن التي في الفرائض إذ لا يمكن أن يعدل شيء من السنن واجبا أبدا بدليل قوله : ( وما تقرب إلي أحد بمثل أداء ما افترضت عليه ) . ( 338 ) قوله : والحاصل أن المذهب المعتمد أن العبادات ذات أفعال يكتفى [ ص: 160 ] بالنية في أولها . قال في فتح القدير : ومن مشكاة هذا الأصل ما قيل بإيجاب نية سجود السهو دون نية سجود التلاوة في الصلاة ، وعلل الأخير بأن نية الصلاة تشمله ولقائل أن يقول : لو كان بالعكس لكان أولى ; لأن سجود السهو أعلق بالصلاة من سجود التلاوة وآكد ، بدليل أنه يشرع للمأموم إذا سها الإمام ولم يسجد ، والذي يظهر في توجيه ذلك إن صح أن يقال : إن التلاوة من لوازم الصلاة فكان التالي عند نيتها يستحضرها وفي ذكره تعرض لها ، وليس السهو نفسه من لوازم الصلاة ، بل وقوعه فيها بخلاف الغالب ، فلم يكن في النية إيماء إليه ولا أذكار ، ونظير ذلك فدية المحظورات في الحج ، والعمرة فإنها لا بد لها من النية ، لا يقال : يكتفى بنية الإحرام ; لأنها ليست من لوازم الإحرام ولا من ضرورياته بخلاف طواف القدوم مثلا ، فإنه ، وإن لم يكن من ماهية الحج لكنه من لوازمه ; فلذلك لا تشترط له نية اكتفاء بنية الحج فهو نظير سجود التلاوة في الصلاة . ( 339 )

                قوله : والفرق أن الطواف إلخ ، لك أن تقول : الفرق مسلم في نفسه لكن لا يدفع المحذور ، إذ يصدق على الوقوف لطلب الغريم أنه نوى غير ما وضع له ، فلا يغني في دفعه شيئا ، ويمكن الجواب بأن الاعتماد على الفرق المذكور أفاد أن المراد بقولهم نوى به غير ما وضع له وضعا مستقلا ، نعم يفهم منه أنه إذا نوى به غير ما وضع له وضعا غير مستقل لا يضره . [ ص: 161 ] قوله : وهو مبني إلخ ، قيل : في البناء عليه نظر ; لأن قضية الانسحاب على الأركان عدم اشتراط أصل النية في طواف الزيارة ، ولو سلم فلا ينتهض بالنسبة إلى طواف الصدر ; لأنه ليس من الأركان . ( 341 ) قوله : واستفيد منه أن نية التطوع في بعض الأركان لا يبطله ، قيل عليه : لا يخفى أن المذكور كون طواف الركن يتأدى بنية التطوع ، فإن أراد بقوله نية التطوع في بعض الأركان ، أي في حق بعض الأركان ، بمعنى أنه يتأدى بنية التطوع ، فهو المصرح به كما ترى ، وإن أراد أن نية التطوع في خلال بعض الأركان ، ففي استفادته منه نظر قد أساء




                الخدمات العلمية