الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمحققون من أهل السنة يقولون : الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة قدرية كونية خلقية ، وإرادة دينية أمرية شرعية ، فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضا ، والكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث .

وهذا كقوله [ ص: 80 ] تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ( الأنعام : 125 ) . وقوله تعالى عن نوح عليه السلام : ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ( هود : 34 ) . وقوله تعالى : ولكن الله يفعل ما يريد ( البقرة : 253 ) .

وأما الإرادة الدينية الشرعية الأمرية ، فكقوله تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( البقرة : 185 ) ، وقوله تعالى : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم . والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ( النساء : 26 - 27 ) . وقوله تعالى : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ( المائدة : 6 ) . وقوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( الأحزاب : 33 ) .

فهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح : هذا يفعل ما لا يريده الله ، أي : لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به .

وأما الإرادة الكونية فهي الإرادة المذكورة في قول المسلمين : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

والفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل ، وبين إرادته من غيره أن يفعل . فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلا فهذه الإرادة معلقة بفعله ، وإذا أراد من غيره أن يفعل فعلا فهذه الإرادة لفعل الغير ، وكلا النوعين معقول [ ص: 81 ] للناس ، والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى ، فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر فقد يريد إعانة المأمور على ما أمر به وقد لا يريد ذلك ، وإن كان مريدا منه فعله .

التالي السابق


الخدمات العلمية