الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فسائر الصفات ) الذاتية من الحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والكلام وغيرها وسائر الصفات الخبرية من الوجه واليدين والقدم ، والعينين ونحوها ( ( و ) ) سائر صفات ( ( الأفعال ) ) من الاستواء [ ص: 258 ] والنزول والإتيان والمجيء والتكوين ونحوها ( ( قديمة لله ) ) أي هي صفات قديمة عند سلف الأمة وأئمة الإسلام لله ( ( ذي الجلال ) ) والإكرام ليس منها شيء محدث وإلا لكان محلا للحوادث وما حل به الحادث فهو حادث تعالى الله عن ذلك . ولما كان ربما توهم متوهم أن ذلك [ ص: 259 ] سلم للتشبيه والتمثيل المنفي في محكم النص استدرك ذلك فقال ( ( لكن ) ) بإسكان النون ( ( بلا كيف ولا تمثيل ) ) وإثبات ذلك والاعتراف به والإقرار والإذعان بموجبه لما دلت عليه النصوص القرآنية والأحاديث الثابتة [ ص: 260 ] النبوية فاعتقدنا ذلك ، واعتمدناه متابعة للسلف وارتضيناه ( ( رغما ل ) ) أي لأجل رغم أنوف ( ( أهل الزيغ ) ) أي لأجل الميل والانحراف عن نهج أهل الحق ، والشك والجور عن سبيل أهل الصدق ، يقال زاغ إذا مال وأزاغ غيره [ ص: 261 ] إذا أماله ( و ) رغما لأنوف أهل ( التعطيل ) من الطوائف الضالة والفرق المائلة ، فمذهب السلف حق بين باطلين ، وسنة بين بدعتين; فإن من الناس من حمل النصوص على التشبيه والتمثيل فضل وأضل ، ومنهم من حملها على التحريف والتعطيل ، فألحد وانفصل عن الحق وختل ، وأهل الحق أثبتوا النصوص واعتقدوها بلا تكييف ، فهم يقولون إثبات وجود لا إثبات تكييف وتحديد ، ولهذا قال ( فمرها ) أي آيات الصفات وأخبارها ، ولا تتعرض لمعانيها وأسرارها ، بل تفسيرها أن نمرها ( كما أتت في الذكر ) القرآني ، والحديث الصحيح عن المعصوم العدناني ( من غير تأويل ) لها ( وغير فكر ) في معانيها; فإن ذلك ليس في طوق البشر أن يكلفوه ، ولا في وسعهم أن يعرفوه ، وعلى ذلك مضت أئمة السلف ، والحق من سلف ، فكان الزهري ، والإمام مالك ، والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، وابن المبارك ، والإمام أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم - رضي الله عنهم - يقولون في مثل هذه الآيات ، يعني التي فيها مجيء الله ، ووجهه وإتيانه ، والأخبار كخبر النزول " مروها كما جاءت " ، وقال سفيان بن عيينة : كل ما وصف الله نفسه في كتابه فتفسيره قراءته ، والسكوت عنه ليس لأحد أن يفسره إلا الله ورسوله .

وسمع الإمام أحمد - رضي الله عنه - شخصا يروي حديث النزول ، ويقول ينزل بغير حركة ، ولا انتقال ، ولا تغير حال [ ص: 262 ] فأنكر الإمام أحمد عليه ذلك ، وقال قل كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كان أغير على ربه منك .

وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - في كتاب الفقه الأكبر : ما ذكر الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف ، ولا يقال إن يده قدرته ونعمته ، لأن فيه إبطال الصفة ، وهو قول أهل القدر والاعتزال ، ولكن يده صفته بلا كيف ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف .

وقال العلامة ابن الهمام أن الأصبع واليد صفة له تعالى لا بمعنى الجارحة بل على وجه يليق به هو سبحانه أعلم .

وقال أبو حامد الغزالي في كتابه " إلجام العوام " في الباب الأول منه : اعلم أن الحق الصحيح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر ، هو مذهب السلف أعني الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين - . ثم قال : حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأخبار من عوام الخلق يجب عليه سبعة أمور ، التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الكف ثم الإمساك ثم التسليم لأهل المعرفة .

( فالتقديس ) تنزيه الرب عن الجسمية وتوابعها ، ( والتصديق ) الإيمان بقوله - صلى الله عليه وسلم - وأن كل ما ذكر حق ، وهو فيما قاله صادق ، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده ، ( والاعتراف بالعجز ) أن يقر أن معرفة مراده ليس على قدر طاقته ، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته ، ( والسكوت ) بأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه مخاطرا بدينه ، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر . وأما ( الإمساك ) فأن لا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى والزيادة فيها والنقصان منها والجمع والتفريق ، بل ألا ينطق لا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة ، ( وأما الكف ) فبأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه ، ( وأما التسليم ) لأهل المعرفة فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى الأنبياء ، أو على الصديقين والأولياء ، انتهى ، وقد مر أنه لا يعلم حقيقة ما هو تعالى غيره فعليه المعول ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 263 ] ولما فرغ من ذكر ما يجب له تعالى من الأسماء والصفات الذاتية والإخبارية والفعلية ، أخذ في ذكر ما يستحيل في حقه تعالى فقال :

التالي السابق


الخدمات العلمية