الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
340 - ( 11 ) - حديث عمران بن حصين : { من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد } البخاري بلفظ : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا ، فقال : { إن صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما }الحديث مثله .

( تنبيه ) المراد بالنائم المضطجع ، وصحف بعضهم هذه اللفظة فقال : إنما هو صلى بإيماء أي بالإشارة كما روي { أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ظهر الدابة يومئ إيماء } ، قال : ولو كان من النوم ; لعارض نهيه عن الصلاة لمن غلبه النوم ، وهذا إنما قاله هذا القائل بناء على أن المراد بالنوم حقيقته ، وإذا حمل على الاضطجاع اندفع الإشكال . قوله : ويروى : { صلاة النائم على النصف من صلاة القاعد }قلت : رواه بهذا اللفظ ابن عبد البر وغيره ، وقال السهيلي في الروض : نسب بعض الناس [ ص: 412 ] النسائي إلى التصحيف ، وهو مردود في الحديث لأنه الرواية الثابتة : { وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد }.

قلت : وهو يدفع ما تعلل به القائل الأول ، وقال ابن عبد البر : جمهور أهل العلم لا يجيزون النافلة مضطجعا ، فإن أجاز أحد النافلة مضطجعا مع القدرة على القيام فهو حجة له ، وإن لم يجزه أحد فالحديث إما غلط أو منسوخ ، وقال الخطابي : لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا ، فإن صحت هذه اللفظة ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرجها في الحديث ، وقاسه على صلاة القاعد ، أو اعتبره بصلاة المريض نائما إذا عجز عن القعود ، فإن التطوع مضطجعا للقادر على القعود ، انتهى . وما ادعياه من الاتفاق على المنع مردود ، فقد حكاه الترمذي عن الحسن البصري وهو أصح الوجهين عند الشافعية . قوله : روي عن ابن عباس لما وقع الماء في عينيه قال له الأطباء : إن مكثت سبعا لا تصلي " إلا " مستلقيا عالجناك ، فسأل عائشة وأم سلمة وأبا هريرة وغيرهم من الصحابة ، فلم يرخصوا له في ذلك ، فترك المعالجة ، وكف بصره . رواه الثوري في جامعه عن جابر عن أبي الضحى ، أن عبد الملك أو غيره بعث إلى ابن عباس بالأطباء على البرد ، وقد وقع الماء في عينيه ، فقالوا : تصلي سبعة أيام مستلقيا على قفاك ، فسأل أم سلمة ، وعائشة فنهتاه ، ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم والبيهقي ، وأما استفتاؤه لأبي هريرة فأخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر من طريق الأعمش عن المسيب بن رافع عن ابن عباس في هذه القصة ، قال : فأرسل إلى عائشة ، وأبي هريرة وغيرهما ، قال : فكلهم قال : إن مت في هذه السنة كيف تصنع بالصلاة ؟ قال : فترك عينه فلم يداوها .

وفي هذا إنكار على النووي في إنكاره على الغزالي تبعا لابن الصلاح ذكره لأبي هريرة في هذا ، فقال : استفتاؤه لأبي هريرة لا أصل له ، وقال في التنقيح : الصحيح عن ابن عباس أنه كره ذلك كذا رواه عنه عمرو بن دينار . قلت : والرواية المذكورة عن عمرو صحيحة أخرجها البيهقي وليس فيها منافاة للأولى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية