الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
372 - ( 43 ) - حديث : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح بهذا الدعاء وهو : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت }قال الشافعي : هذا القدر يروى عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت : نعم هذا القدر روي عن الحسن لكن ليس فيه عنه أن ذلك في الصبح بل رواه أحمد والأربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني [ ص: 447 ] والبيهقي من طريق بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عنه وأسقط بعضهم الواو من قوله : { وإنه لا يذل }وأثبت بعضهم الفاء في قوله : { فإنك تقضي }وزاد الترمذي قبل { تباركت }: { سبحانك }. ولفظهم عن الحسن : { علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر } ، ونبه ابن خزيمة ، وابن حبان على أن قوله في قنوت الوتر تفرد بها أبو إسحاق عن بريد بن أبي مريم ، وتبعه ابناه يونس وإسرائيل كذا قال ، قال : ورواه شعبة وهو أحفظ من مائتين مثل أبي إسحاق وابنيه ، فلم يذكر فيه القنوت ولا الوتر ، وإنما قال : كان يعلمنا هذا الدعاء .

قلت : ويؤيد ما ذهب إليه ابن حبان أن الدولابي رواه في الذرية الطاهرة له والطبراني في الكبير من طريق الحسن بن عبيد الله عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء به ، وقال فيه : وكلمات علمنيهن فذكرهن قال بريد : فدخلت على محمد بن علي في الشعب فحدثته فقال : صدق أبو الحوراء هن كلمات علمناهن ، نقولهن في القنوت ، وقد رواه البيهقي من طرق قال في بعضها : قال بريد بن أبي مريم فذكرت ذلك لابن الحنفية فقال : إنه للدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر ، ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر أيضا .

وروى البيهقي أيضا من طريق عبد المجيد بن أبي رواد ، عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن هرمز وليس هو الأعرج عن بريد بن أبي مريم ، سمعت ابن الحنفية وابن عباس يقولان : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح ، وفي وتر الليل ، بهؤلاء الكلمات }. ورواه من طريق الوليد بن مسلم وأبي صفوان الأموي عن ابن جريج بلفظ : { يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح }. ورواه مخلد بن يزيد ، عن ابن جريج فقال في قنوت الوتر ، وعبد الرحمن بن هرمز يحتاج إلى الكشف عن حاله ، فقد رواه أبو صفوان " الأموي " عن ابن جريج فقال : عبد الله بن هرمز ، والأول أقوى .

قوله : وورد في حديث الحسن بن علي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ ص: 448 ] بعد تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي وآله وسلم }. النسائي من حديث ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن علي عن الحسن بن علي قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر قال : { قل اللهم اهدني فيمن هديت }الحديث وفي آخره : { وصلى الله على النبي }ليس في السنن غير هذا ولا فيه : { وسلم }ولا { وآله }ووهم المحب الطبري في الأحكام فعزاه إلى النسائي بلفظ : { وصلى الله على النبي محمد }. وقال النووي في شرح المهذب : إنها زيادة بسند صحيح ، أو حسن ، قلت : وليس كذلك ، فإنه منقطع فإن عبد الله بن علي وهو ابن الحسين بن علي لم يلحق الحسن بن علي ، وقد اختلف على موسى بن عقبة في إسناده فروى عنه شيخ ابن وهب هكذا ، ورواه محمد بن أبي جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم بسنده رواه الطبراني والحاكم ورواه أيضا الحاكم من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي قال : { علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود }. فقال اختلف فيه على موسى بن عقبة كما ترى ، وتفرد يحيى بن عبد الله بن سالم عنه بقوله عن عبد الله بن علي ، وبزيادة الصلاة فيه .

( تنبيه ) ينبغي أن يتأمل قوله في هذا الطريق إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود فقد رأيت في الجزء الثاني من فوائد أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني تخريج الحاكم له ، قال : ثنا محمد بن يونس المقري ، قال : ثنا الفضل بن محمد البيهقي ، ثنا أبو بكر بن شيبة المدني الحزامي ، ثنا ابن أبي فديك عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بسنده ولفظه { علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول في الوتر قبل الركوع فذكره . . . }وزاد في آخره : { لا منجا منك إلا إليك }.

( فائدة ) روى محمد بن نصر المروزي وغيره من طرق ، أن أبا حليمة معاذا القاري [ ص: 449 ] كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت . قوله : وزاد بعض العلماء في قنوت الوتر : ولا يعز من عاديت ، قبل تباركت وتعاليت ، هذه الزيادة ثابتة في الحديث ; إلا أن النووي قال في الخلاصة : إن البيهقي رواها بسند ضعيف ، وتبعه ابن الرفعة في المطلب فقال : لم تثبت هذه الرواية وهو معترض فإن البيهقي رواها من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن الحسن أو الحسين بن علي ، فساقه بلفظ الترمذي ، وزاد { ولا يعز من عاديت }وهذا التردد من إسرائيل إنما هو في الحسن أو في الحسين . وقال البيهقي : كان الشك إنما وقع في الإطلاق أو في النسبة ، قلت : يؤيد رواية الشك : أن أحمد بن حنبل أخرجه في مسند الحسين بن علي من مسنده من غير تردد ، فأخرجه من حديث شريك ، عن أبي إسحاق بسنده ، وهذا وإن كان الصواب خلافه ، والحديث من حديث الحسن لا من حديث أخيه الحسين ، فإنه يدل على أن الوهم فيه من أبي إسحاق ، فلعله ساء فيه حفظه ، فنسي هل هو الحسن أو الحسين ، والعمدة في كونه الحسن على رواية يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم ، وعلى رواية شعبة عنه كما تقدم ، ثم إن الزيادة وهو قوله : { ولا يعز من عاديت }رواها الطبراني أيضا من حديث شريك ، وزهير بن معاوية عن أبي إسحاق ، ومن حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق ، وقد وقع لنا عاليا جدا متصلا بالسماع ، قرأته على أبي الفرج بن حماد ، أن علي بن إسماعيل أخبره أن إسماعيل بن عبد القوي ، أنبأ فاطمة بنت سعد الحر ، أنبأ فاطمة بنت عبد الله ، أنا محمد بن عبد الله ، ثنا سليمان بن أحمد ، ثنا الحسن بن المتوكل البغدادي ، ثنا عفان بن مسلم ، ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن الحوراء ، عن الحسن بن علي قال : { علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم اهدني فيمن هديت }فذكر الحديث ، مثل ما ساقه الرافعي ، وزاد : { ولا يعز من عاديت }. [ ص: 450 ]

( فائدة ) روى الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في الركعة الثانية ، رفع يديه فيدعو بهذا الدعاء : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت وتعاليت }قال الحاكم : صحيح ، وليس كما قال فهو ضعيف لأجل عبد الله ، فلو كان ثقة لكان الحديث صحيحا ، وكان الاستدلال به أولى من الاستدلال بحديث الحسن بن علي الوارد في قنوت الوتر . وروى الطبراني في الأوسط من حديث بريدة نحوه ، وفي إسناده مقال أيضا .

قوله : قال تعالى : { ورفعنا لك ذكرك }قال المفسرون : أي لا أذكر إلا وتذكر معي ، هذا التفسير حكاه الشافعي وغيره عن مجاهد ، ورواه ابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا وهو من رواية دراج عن أبي الهيثم عنه .

قلت : في الاستدلال به نظر ، فإنه لا يسن في أذكار الركوع والسجود ، ولا مع القراءة في القيام ، فدل على أنه عام مخصوص ، وقد تقدم حديث القنوت للنازلة ، وحديث ترك القنوت فيها عند فقدها ، وسيأتي قنوت عمر إن شاء الله تعالى . قوله : ثم الإمام هل يجهر بالقنوت قولان : أظهرهما يجهر لأنه روي الجهر به عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الجهر بالقنوت رواه البخاري من حديث أبي هريرة . { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد ، أو يدعو لأحد ، قنت بعد الركوع ، فربما قال : إذا قال : سمع الله لمن حمده : اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج فلانا }الحديث ، وفي آخرها يجهر بذلك .

قوله : وحديث بئر معونة يدل على أنه كان يجهر به في جميع الصلوات ، هو [ ص: 451 ] مستفاد من قول ابن عباس أنه دعا عليهم ، وساق لفظ الدعاء ، لأن الظاهر أنه سمعه من لفظه ، فدل على الجهر . قلت : ويمكن الفرق بين القنوت الذي في النوازل فيستحب الجهر فيه كما ورد ، وبين الذي هو راتب إن صح ، فليس في شيء من الأخبار ما يدل على أنه جهر به بل القياس أنه يسن به كباقي الأذكار التي تقال في الأركان .

حديث ابن عباس : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت ونحن نؤمن خلفه } ، تقدم من حديث ابن عباس بلفظ : { يؤمن من خلفه }.

التالي السابق


الخدمات العلمية