الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل السادس : توقير ، وبر أصحابه ، ومعرفة حقهم

          ومن توقيره ، وبره - صلى الله عليه وسلم - توقير أصحابه ، وبرهم ، ومعرفة حقهم ، والاقتداء بهم ، وحسن الثناء عليهم ، والاستغفار لهم ، والإمساك عما شجر بينهم ، ومعاداة من عاداهم ، والإضراب عن أخبار المؤرخين ، وجهلة الرواة ، وضلال الشيعة ، والمبتدعين القادحة في أحد منهم ، وأن يلتمس لهم - فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن - أحسن التأويلات ، ويخرج لهم أصوب المخارج ، إذ هم أهل ذلك ، ولا يذكر أحد منهم بسوء ، ولا يغمض عليه أمر ، بل تذكر حسناتهم ، وفضائلهم ، وحميد سيرتهم ، ويسكت عما وراء ذلك ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا .

          قال الله - تعالى - : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم [ الفتح : 29 ] إلى آخر السورة .

          وقال : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار [ التوبة : 100 ] الآية .

          وقال الله - تعالى - : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة [ الفتح : 18 ] .

          وقال : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [ الأحزاب : 23 ] الآية .

          حدثنا القاضي أبو علي ، حدثنا أبو الحسين ، وأبو الفضل ، قالا : حدثنا أبو يعلى ، حدثنا أبو علي [ ص: 412 ] السنجي ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا الترمذي ، حدثنا الحسن بن الصباح ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر ، وعمر .

          وقال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .

          وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلا به .

          وقال : الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه .

          وقال : لا تسبوا أصحابي ، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ، ولا نصيفه .

          وقال : من سب أصحابي فعليه لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ، ولا عدلا .

          وقال : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا .

          وقال في حديث جابر : إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين ، والمرسلين ، واختار لي منهم أربعة : أبا [ ص: 413 ] بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، فجعلهم خير أصحابي ، وفي أصحابي كلهم خير .

          وقال : من أحب عمر فقد أحبني ، ومن أبغض عمر فقد أبغضني .

          وقال مالك بن أنس ، وغيره : من أبغض الصحابة ، وسبهم فليس له في فيء المسلمين حق ، ونزع بآية الحشر : والذين جاءوا من بعدهم [ الحشر : 10 ] الآية .

          وقال : من غاظه أصحاب محمد فهو كافر ، قال الله - تعالى - : ليغيظ بهم الكفار [ الفتح : 29 ] .

          وقال عبد الله بن المبارك : خصلتان من كانتا فيه نجا : الصدق ، وحب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .

          قال أيوب السختياني : من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله ، ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى ، ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد برئ من النفاق ، ومن انتقص أحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسنة ، والسلف الصالح ، وأخاف ألا يصعد له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ، ويكون قلبه سليما .

          وفي حديث خالد بن سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيها الناس ، إني راض عن أبي [ ص: 414 ] بكر فاعرفوا له ذلك . أيها الناس ، إني راض عن عمر ، وعن علي ، وعن عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، فاعرفوا لهم ذلك . أيها الناس ، إن الله غفر لأهل بدر ، والحديبية ، أيها الناس ، احفظوني في أصحابي ، وأصهاري ، وأختاني ، لا يطالبنكم أحد منهم بمظلمة ، فإنها مظلمة لا توهب في القيامة غدا .

          وقال رجل للمعافى بن عمران : أين عمر بن عبد العزيز من معاوية ؟ فغضب ، وقال : لا يقاس بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد ، معاوية صاحبه ، وصهره ، وكاتبه ، وأمينه على وحي الله .

          وأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بجنازة رجل فلم يصل عليه ، وقال : كان يبغض عثمان فأبغضه الله .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - في الأنصار : اعفوا عن مسيئهم ، واقبلوا من محسنهم .

          وقال : احفظوني في أصحابي ، وأصهاري ، فإنه من حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا ، والآخرة ، ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله منه ، ومن تخلى الله منه يوشك أن يأخذه .

          وعنه - صلى الله عليه وسلم - : من حفظني في أصحابي كنت له حافظا يوم القيامة .

          وقال : من حفظني في أصحابي ، ورد علي الحوض ، ومن لم يحفظني في أصحابي لم يرد علي الحوض ، ولم يرني إلا من بعيد .

          [ ص: 415 ] قال مالك - رحمه الله - : هذا النبي مؤدب الخلق الذي هدانا الله به ، وجعله رحمة للعالمين ، يخرج في جوف الليل إلىالبقيع فيدعو لهم ، ويستغفر كالمودع لهم ، وبذلك أمره الله ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحبهم ، وموالاتهم ، ومعاداة من عاداهم .

          وروي عن كعب : ليس أحد من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا له شفاعة يوم القيامة .

          وطلب من المغيرة بن نوفل أن يشفع له يوم القيامة .

          قال سهل بن عبد الله التستري : لم يؤمن بالرسول من لم يوقر أصحابه ، ولم يعز أوامره .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية