الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل .

قال : واعتصام الخاصة بالانقطاع ، وهو صون الإرادة قبضا ، وإسبال الخلق [ ص: 462 ] على الخلق بسطا ، ورفض العلائق عزما ، وهو التمسك بالعروة الوثقى .

يريد انقطاع النفس عن أغراضها من هذه الوجوه الثلاثة ، فيصون إرادته ، ويقبضها عما سوى الله سبحانه ، وهذا شبيه بحال أبي يزيد فيما أخبر به عن نفسه لما قيل له : ما تريد ؟ فقال : أريد أن لا أريد .

الثاني : إسبال الخلق على الخلق بسطا ، وهذا حقيقة التصوف ، فإنه كما قال أبو [ ص: 463 ] بكر الكتاني : التصوف خلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف .

فإن حسن الخلق وتزكية النفس بمكارم الأخلاق يدل على سعة قلب صاحبه ، وكرم نفسه وسجيته . وفي هذا الوصف يكف الأذى ، ويحمل الأذى ويوجد الراحة ، ويدير خده الأيسر لمن لطم الأيمن ، ويعطي رداءه لمن سلبه قميصه ، ويمشي ميلين مع من سخره ميلا ، وهذا علامة انقطاعه عن حظوظ نفسه وأغراضها .

وأما رفض العلائق عزما فهو العزم التام على رفض العلائق ، وتركها في ظاهره وباطنه .

والأصل هو قطع علائق الباطن ، فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر ، فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك لم يضرك ولو كثر ، ومتى كان في قلبك ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء .

قيل للإمام أحمد : أيكون الرجل زاهدا ، ومعه ألف دينار ؟ قال : نعم على شريطة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت ، ولهذا كان الصحابة أزهد الأمة مع ما بأيديهم من الأموال .

وقيل لسفيان الثوري : أيكون ذو المال زاهدا ؟ قال : نعم إن كان إذا زيد في ماله شكر ، وإن نقص شكر وصبر .

[ ص: 464 ] وإنما يحمد قطع العلائق الظاهرة في موضعين : حيث يخاف منها ضررا في دينه أو حيث لا يكون فيها مصلحة راجحة ، والكمال من ذلك قطع العلائق التي تصير كلاليب على الصراط تمنعه من العبور ، وهي كلاليب الشهوات والشبهات ، ولا يضره ما تعلق به بعدها .

التالي السابق


الخدمات العلمية