الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وإن مات عن وصية لا يسقط الحج عنه .

                                                                                                                                ويجب أن يحج عنه ; لأن الوصية بالحج قد صحت .

                                                                                                                                وإذا حج عنه يجوز عند استجماع شرائط الجواز .

                                                                                                                                وهي نية الحج عنه ، وأن يكون الحج بمال الموصي أو بأكثره إلا تطوعا ، وأن يكون راكبا لا ماشيا لما ذكرنا فيما تقدم ويحج عنه من ثلث ماله سواء قيد الوصية بالثلث بأن يحج عنه بثلث ماله ، أو أطلق بأن أوصى أن يحج عنه أما إذا قيد فظاهر .

                                                                                                                                وكذا إذا أطلق ; لأن الوصية تنفذ من الثلث ويحج عنه من بلده الذي يسكنه ; لأن الحج مفروض عليه من بلده فمطلق الوصية ينصرف إليه ، ولهذا قال محمد : - رحمه الله - روى ابن رستم عنه في خراساني أدركه الموت بمكة فأوصى أن يحج عنه من خراسان ، وروى هشام عن أبي يوسف في مكي قدم الري فحضره الموت فأوصى أن يحج عنه حج عنه من مكة ، فإن أوصى أن يقرن عنه قرن عنه من الري ; لأنه لا قران لأهل مكة فتحمل الوصية على ما يصح - وهو القران - من حيث مات هذا إذا كان ثلث المال يبلغ أن يحج عنه من بلده حج عنه ، فإن كان لا يبلغ يحج من حيث يبلغ استحسانا .

                                                                                                                                وكذا إذا أوصى أن يحج عنه بمال سمى مبلغه إن كان يبلغ أن يحج عنه من بلده حج عنه ، وإلا فيحج عنه من حيث يبلغ استحسانا ، والقياس أن تبطل الوصية ; لأنه تعذر تنفيذها على ما قصده الموصي ، وهذا يوجب بطلان الوصية كما إذا أوصى بعتق نسمة فلم يبلغ ثلث المال ثمن النسمة .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان أن غرض الموصي من الوصية بالحج تفريغ ذمته عن عهدة الواجب ، وذلك في التصحيح لا في الإبطال .

                                                                                                                                ولو حمل ذلك على الوصية بالحج من بلده لبطلت ، ولو حمل على الوصية من حيث يبلغ لصحت فيحمل عليه تصحيحا لها ، وفي الوصية بعتق النسمة تعذر التصحيح أصلا ورأسا فبطلت فإن خرج من بلده إلى بلد أقرب من مكة ، فإن كان خرج لغير الحج حج عنه من بلده في قولهم جميعا .

                                                                                                                                وإن كان خرج للحج فمات في بعض الطريق وأوصى أن يحج عنه ، فكذلك في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد يحج عنه من حيث بلغ ( وجه ) قولهما أن قدر ما قطع من المسافة في سفره بنية الحج معتد به من الحج لم يبطل بالموت ; لقوله تعالى { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } فسقط عنه ذلك القدر من فرض الحج ، وبقي عليه إتمامه ولأبي حنيفة أن القدر الموجود من السفر يعتبر لكن في حق أحكام الآخرة - وهو الثواب - لا في حق أحكام الدنيا ; لأن ذلك يتعلق بأداء الحج ، ولم يتصل به الأداء فبطل بالموت في حق أحكام الدنيا ، وإن لم يبطل به في حق أحكام الآخرة ، وكلامنا في حق أحكام الدنيا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية