الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما بيان ما يستأجر له في هذا النوع من الإجارة أعني إجارة المنازل ونحوها فليس بشرط ، حتى لو استأجر شيئا من ذلك ولم يسم ما يعمل فيه جاز ، وله أن يسكن فيه نفسه ومع غيره ، وله أن يسكن فيه غيره بالإجارة والإعارة ، وله أن يضع فيه متاعا ، وغيره غير أنه لا يجعل فيه حدادا ، ولا قصارا ، ولا طحانا ، ولا ما يضر بالبناء ويوهنه .

                                                                                                                                وإنما كان كذلك لأن الإجارة شرعت للانتفاع ، والدور والمنازل والبيوت ونحوها معدة للانتفاع بها بالسكنى ، ومنافع العقار المعدة للسكنى متقاربة ; لأن الناس لا يتفاوتون في السكنى ، فكانت معلومة من غير تسمية ، وكذا المنفعة لا تتفاوت بكثرة السكان وقلتهم إلا تفاوتا يسيرا ، وأنه ملحق بالعدم ووضع المتاع من توابع السكنى ، وذكر في الأصل أن له أن يربط في الدار دابته ، وبعيره ، وشاته ; لأن ذلك من توابع السكنى ، وقيل إن هذا الجواب على عادة أهل الكوفة ، والجواب فيه يختلف باختلاف العادة ، فإن كان في موضع جرت العادة بذلك فله ذلك وإلا فلا ، وإنما لم يكن له أن يقعد فيه من يضر بالبناء ويوهنه من القصار والحداد [ ص: 183 ] والطحان ; لأن ذلك إتلاف العين ، وأنه لم يدخل تحت العقد ، إذ الإجارة بيع المنفعة لا بيع العين ; ولأن مطلق العقد ينصرف إلى المعتاد ، والظاهر أن الحانوت الذي يكون في صف البزازين أنه لا يؤاجر لعمل الحداد والقصار والطحان ; فلا ينصرف مطلق العقد إليه ، إذ المطلق محمول على العادة فلا يدخل غيره في العقد إلا بالتسمية أو بالرضا ، حتى لو آجر حانوتا في صف الحدادين من حداد يدخل عمل الحدادة فيه من غير تسمية للعادة ، وإنما كان له أن يؤاجر من غيره ويعير ; لأنه ملك المنفعة فكان له أن يؤاجر من غيره بعوض وبغير عوض .

                                                                                                                                وأما في إجارة الأرض فلا بد فيها من بيان ما تستأجر له من الزراعة والغرس والبناء وغير ذلك ، فإن لم يبين كانت الإجارة فاسدة ، إلا إذا جعل له أن ينتفع بها بما شاء ، وكذا إذا استأجرها للزراعة فلا بد من بيان ما يزرع فيها أو يجعل له أن يزرع فيها ما شاء ، وإلا فلا يجوز العقد ; لأن منافع الأرض تختلف باختلاف البناء والغرس والزراعة ، وكذا المزروع يختلف ، منه ما يفسد الأرض ، ومنه ما يصلحها ، فكان المعقود عليه مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فلا بد من البيان بخلاف السكنى فإنها لا تختلف

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية