الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو وقعت نجاسة في الماء القليل ، فالماء القليل لا يخلو من أن يكون في الأواني أو في البئر أو في الحوض الصغير ، فإن كان في الأواني فهو نجس كيفما كانت النجاسة متجسدة أو مائعة ; لأنه لا ضرورة في الأواني لإمكان صونها عن النجاسات ، حتى لو وقعت بعرة أو بعرتان في المحلب عند الحلب ، ثم رميت من ساعتها لم ينجس اللبن ، كذا روى عنه خلف بن أيوب ، ونصير بن يحيى ومحمد بن مقاتل الرازي ، لمكان الضرورة ، وإن كان في البئر فالواقع فيه لا يخلو من أن يكون حيوانا أو غيره من النجاسات ، فإن كان حيوانا فإما إن أخرج حيا ، وإما إن أخرج ميتا ، فإن أخرج حيا فإن كان نجس العين كالخنزير ينجس جميع الماء وفي الكلب اختلاف المشايخ في كونه نجس العين ، فمن جعله نجس العين استدل بما ذكر في العيون عن أبي يوسف أن الكلب إذا وقع في الماء ، ثم خرج منه فانتفض ، فأصاب إنسانا منه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته .

                                                                                                                                وذكر في العيون أيضا أن كلبا لو أصابه المطر فانتفض ، فأصاب إنسانا منه أكثر من قدر الدرهم إن كان المطر الذي أصابه وصل إلى جلده ; فعليه أن يغسل الموضع الذي أصابه وإلا فلا ، ونص محمد في الكتاب قال : وليس الميت بأنجس من الكلب والخنزير ، فدل أنه نجس العين وجه قول من قال : إنه ليس نجس العين أنه يجوز بيعه ويضمن متلفه ، ونجس العين ليس محلا للبيع ، ولا مضمونا بالإتلاف كالخنزير ، دل عليه أنه يطهر جلده بالدباغ ، ونجس العين لا يطهر جلده بالدباغ كالخنزير ، وكذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة في الكلب والسنور وقعا في الماء القليل ، ثم خرجا أنه يعجن بذلك ; ولذلك قال مشايخنا فيمن صلى وفي كمه جرو كلب : إنه تجوز صلاته وقيد الفقيه أبو جعفر الهندواني الجواز بكونه مسدود الفم ، فدل أنه ليس بنجس العين ، وهذا أقرب القولين إلى الصواب ، وإن لم يكن نجس العين فإن كان آدميا ليس على بدنه نجاسة حقيقية ولا حكمية - وقد استنجى - لا ينزح شيء في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه ينزح عشرون دلوا ، وهذه الرواية لا تصح ; لأن الماء إنما يصير مستعملا بزوال الحدث أو بقصد القربة ولم يوجد شيء من ذلك ، وإن كان على بدنه نجاسة حقيقية أو لم يكن مستنجيا ينزح جميع الماء ; لاختلاط النجس بالماء ، وإن كان على بدنه نجاسة حكمية بأن كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء ، فعلى قول من لا يجعل هذا الماء مستعملا لا ينزح شيء ; لأنه طهور ، وكذا قول من جعله مستعملا وجعل الماء المستعمل طاهرا ; لأن غير المستعمل أكثر ، فلا يخرج عن كونه طهورا ما لم يكن المستعمل غالبا عليه ، كما لو صب اللبن في البئر بالإجماع أو بالت شاة فيها عند محمد وأما على قول من جعل هذا الماء مستعملا وجعل الماء المستعمل نجسا ، ينزح ماء البئر كله كما لو وقعت فيها قطرة من دم أو خمر وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إن كان محدثا ينزح أربعون ، وإن كان جنبا ينزح كله وهذه الرواية مشكلة ; لأنه لا يخلو إما أن صار هذا الماء مستعملا أو لا ، فإن لم يصر مستعملا لا يجب نزح شيء ; لأنه بقي طهورا كما كان ، وإن صار مستعملا فالماء المستعمل عند الحسن نجس نجاسة غليظة فينبغي أن يجب نزح جميع الماء .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية