الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ، وللمستأجر في إجارة الدار وغيرها من العقار أن ينتفع بها كيف شاء بالسكنى ، ووضع المتاع ، وأن يسكن بنفسه ، وبغيره ، وأن يسكن غيره بالإجارة ، والإعارة .

                                                                                                                                إلا أنه ليس له أن يجعل فيها حدادا ، ولا قصارا ، ونحو ذلك مما يوهن البناء لما بينا فيما تقدم ، ولو أجرها المستأجر بأكثر من الأجرة الأولى فإن كانت الثانية من خلاف جنس الأولى طابت له الزيادة ، وإن كانت من جنس الأولى لا تطيب له حتى يزيد في الدار زيادة من بناء أو حفر أو تطيين أو تجصيص .

                                                                                                                                فإن لم يزد فيه شيئا فلا خير في الفضل ويتصدق به ، لكن تجوز الإجارة ، أما جواز الإجارة فلا شك فيه ; لأن الزيادة في عقد لا تعتبر فيه المساواة بين البدل والمبدل لا تمنع صحة العقد ، وههنا كذلك ، فيصح العقد .

                                                                                                                                وأما التصدق بالفضل إذا كانت الأجرة الثانية من جنس الأولى فلأن الفضل ربح ما لم يضمن ; لأن المنافع لا تدخل في ضمان المستأجر ، بدليل أنه لو هلك المستأجر فصار بحيث لا يمكن الانتفاع به كان الهلاك على المؤاجر ، وكذا لو غصبه غاصب فكانت الزيادة ربح ما لم يضمن ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فإن كان هناك زيادة كان الربح في مقابلة الزيادة ، فيخرج من أن يكون ربحا ، ولو كنس البيت فلا يعتبر ذلك ; لأنه ليس بزيادة ، فلا تطيب به زيادة الأجر ، وكذا في إجارة الدابة إذا زاد في الدابة جوالق أو لجاما أو ما أشبه ذلك يطيب له الفضل ; لما بينا ، فإن علفها لا يطيب له ; لأن الأجرة لا يصير [ ص: 207 ] شيء منها مقابلا بالعلف ، فلا يطيب له الفضل ، ولو استأجر دابة ليركبها ليس له أن يركب غيره ، وإن فعل ضمن ، وكذا إذا استأجر ثوبا ليلبسه ليس له أن يلبسه غيره ، وإن فعل ، ضمن ; لأن الناس متفاوتون في الركوب واللبس ، فإن أعطاه غيره فلبسه ذلك اليوم ضمنه إن أصابه شيء ; لأنه غاصب في إلباسه غيره ، وإن لم يصبه شيء فلا أجر له ; لأن المعقود عليه ما يصير مستوفيا بلبسه ، فما يكون مستوفى بلبس غيره لا يكون معقودا عليه ، واستيفاء غير المعقود عليه لا يوجب اليد .

                                                                                                                                ألا يرى أنه لو استأجر ثوبا بعينه ثم غصب منه ثوبا آخر فلبسه لم يلزمه الأجر ، فكذلك إذا ألبس ذلك الثوب غيره ; لأن تعيين اللابس كتعيين الملبوس ، فإن قيل هو قد تمكن من استيفاء المعقود عليه وذلك لا يكفي لوجوب الأجر عليه كما لو وضعه في بيته ولم يلبسه ، قلنا تمكنه من الاستيفاء باعتبار يده ، فإذا وضعه في بيته فيده عليه معتبرة ; ولهذا لو هلك لم يضمن ، فأما إذا ألبسه غيره فيده عليه معتبرة حكما ، ألا ترى أنه ضامن ، وإن هلك من غير اللبس فإن يد اللابس عليه معتبرة حتى يكون لصاحبه أن يضمن غير اللابس ، ولا يكون إلا بطريق تفويت يده حكما فلهذا لا يلزمه الأجرة وإن سلم ، وإن كان استأجره ليلبس يوما إلى الليل ولم يسم من يلبسه فالعقد فاسد لجهالة المعقود عليه ، فإن اللبس يختلف باختلاف اللابس وباختلاف الملبوس ، وكما أن ترك التعيين في الملبوس عند العقد يفسد العقد فكذلك ترك تعيين اللابس ، وهذه جهالة تفضي إلى المنازعة ; لأن صاحب الثوب يطالبه بإلباس أرفق الناس في اللبس ، وصيانة الملبوس ، وهو يأبى أن يلبس إلا أحسن الناس في ذلك ، ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية ، ولا تصح التسمية مع فساد العقد ، وإن اختصما فيه قبل اللبس فسدت الإجارة ، وإن لبسه هو وأعطاه غيره فلبسه إلى الليل فهو جائز ، وعليه الأجر استحسانا ، والقياس : عليه أجر المثل ، وكذلك لو استأجر دابة للركوب ولم يبين من يركبها ، أو للعمل ولم يسم من يعمل عليها ، فعمل عليها إلى الليل فعليه المسمى استحسانا ، وفي القياس : عليه أجر المثل ; لأنه استوفى المنفعة بحكم عقد فاسد ، ووجوب المسمى باعتبار صحة التسمية ، ولا تصح التسمية مع فساد العقد ، وجه الاستحسان أن المفسد وهو الجهالة التي تفضي إلى المنازعة قد زال ، وبانعدام العلة المفسدة ينعدم الفساد ، وهذا لأن الجهالة في المعقود عليه ، وعقد الإجارة في حق المعقود عليه كالمضاف ، وإنما يتجدد انعقادها عند الاستيفاء ، ولا جهالة عند ذلك ، ووجوب الأجر عند ذلك أيضا فلهذا أوجبنا المسمى وجعلنا التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء ، ولا ضمان عليه إن ضاع منه ; لأنه غير مخالف سواء لبس بنفسه أو ألبس غيره ، بخلاف الأول فقد عين هناك لبسه عند العقد فيصير مخالفا بإلباس غيره ، وإذا استأجر قميصا ليلبسه يوما إلى الليل فوضعه في منزله حتى جاء الليل فعليه الأجر كاملا ; لأن صاحبه مكنه من استيفاء المعقود عليه بتسليم الثوب إليه ، وما زاد على ذلك ليس في وسعه ، وليس له أن يلبسه بعد ذلك ; لأن العقد انتهى بمضي المدة ، والإذن في اللبس كان بحكم العقد ، ولو استأجر دابة ليركبها أو ثوبا ليلبسه لا يجوز له أن يؤاجر غيره للركوب واللبس لما قلنا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية