الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها الغنى لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : من وجد سعة فليضح } شرط عليه الصلاة والسلام السعة وهي الغنى ولأنا أوجبناها بمطلق المال ومن الجائز أن يستغرق الواجب جميع ماله فيؤدي إلى الحرج فلا بد من اعتبار الغنى وهو أن يكون في ملكه مائتا درهم أو عشرون دينارا أو شيء تبلغ قيمته ذلك سوى مسكنه وما يتأثث به وكسوته وخادمه وفرسه وسلاحه وما لا يستغني عنه وهو نصاب صدقة الفطر ، وقد ذكرناه وما يتصل به من المسائل في صدقة الفطر .

                                                                                                                                ولو كان عليه دين بحيث لو صرف إليه بعض نصابه لا ينقص نصابه لا تجب لأن الدين يمنع وجوب الزكاة فلأن يمنع وجوب الأضحية أولى ; لأن الزكاة فرض والأضحية واجبة والفرض فوق الواجب .

                                                                                                                                وكذا لو كان له مال غائب لا يصل إليه في أيام النحر لأنه فقير وقت غيبة المال حتى تحل له الصدقة بخلاف الزكاة فإنها تجب عليه ; لأن جميع العمر وقت الزكاة وهذه قربة موقتة فيعتبر الغنى في وقتها ولا يشترط أن يكون غنيا في جميع الوقت حتى لو كان فقيرا في أول الوقت ثم أيسر في آخره يجب عليه لما ذكرنا ، ولو كان له مائتا درهم فحال عليها الحول فزكاها بخمسة دراهم ثم حضرت أيام النحر وماله مائة وخمسة وتسعون لا رواية فيه ، وذكر الزعفراني أنه تجب عليه الأضحية لأن النصاب وإن انتقص لكنه انتقص بالصرف إلى جهة هي قربة فيجعل قائما تقديرا حتى لو صرف خمسة منها إلى النفقة لا تجب لانعدام الصرف إلى جهة القربة فكان النصاب ناقصا حقيقة وتقديرا فلا يجب .

                                                                                                                                ولو اشترى الموسر شاة للأضحية فضاعت حتى انتقص نصابه وصار فقيرا فجاءت أيام النحر فليس عليه أن يشتري شاة أخرى لأن النصاب ناقص وقت الوجوب فلم يوجد شرط الوجوب وهو الغنى ، فلو أنه وجدها وهو معسر - وذلك في أيام النحر - فليس عليه أن يضحي بها لأنه معسر وقت الوجوب ولو ضاعت ثم اشترى أخرى وهو موسر فضحى بها ثم وجد الأولى وهو معسر لم يكن عليه أن يتصدق بشيء لما قلنا .

                                                                                                                                وجميع ما ذكرنا من الشروط يستوي فيها الرجل والمرأة ; لأن الدلائل لا تفصل بينهما .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية