الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) كفارة الظهار والإفطار والقتل ، فأما التحرير ، فجميع ما ذكرنا أنه شرط جوازه في كفارة اليمين ، فهو شرط جوازه في كفارة الظهار ، والإفطار ، والقتل وما ليس بشرط لجواز التحرير في كفارة اليمين ، فليس بشرط لجوازه في تلك الكفارات ، إلا أيمان الرقبة خاصة ، فإنه شرط الجواز في كفارة القتل بالإجماع ، وكذا كمال العتق قبل المسيس في كفارة الظهار ، وهذا تفريع على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه خاصة ، حتى لو أعتق نصف عبده ثم وطئ ثم أعتق ما بقي فعليه أن يستقبل عتق الرقبة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ; لأن العتق يتجزأ عند أبي حنيفة - عليه الرحمة - فلم يوجد تحرير كامل قبل المسيس فيلزمه الاستقبال .

                                                                                                                                ( وأما ) الصوم فقدر الصوم في كفارة اليمين ثلاثة أيام لقوله : - سبحانه وتعالى - { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } وكذا [ ص: 111 ] في كفارة الحلق ; لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه ذكرناه في كتاب الحج ، وفي القتل ، والظهار ، والإفطار صوم شهرين لورود النص به ( وأما ) شرط جواز هذه الصيامات فلجواز صيام الكفارة شرائط مخصوصة منها : النية من الليل حتى لا يجوز بنية من النهار بالإجماع ; لأنه صوم غير عين ، فيستدعي وجوب النية من الليل لما ذكرنا في كتاب الصوم .

                                                                                                                                ( ومنها ) التتابع في غير موضع الضرورة في صوم كفارة الظهار والإفطار والقتل بلا خلاف ; لأن التتابع منصوص عليه في هذه الكفارات الثلاثة قال الله - تبارك وتعالى - في كفارتي القتل والإفطار : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } { وقال النبي عليه الصلاة والسلام للأعرابي : صم شهرين متتابعين } بخلاف صوم قضاء رمضان ; لأن الله - سبحانه وتعالى - أمر به من غير شرط التتابع بقوله - تبارك وتعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } .

                                                                                                                                ( وأما ) صوم كفارة اليمين فيشترط فيه التتابع أيضا عندنا .

                                                                                                                                وعند الشافعي لا يشترط بل هو بالخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق ، واحتج بظاهر قوله تبارك وتعالى { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } من غير شرط التتابع .

                                                                                                                                ( ولنا ) قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، وقراءته كانت مشهورة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكانت بمنزلة الخبر المشهور لقبول الصحابة رضي الله عنهم إياها تفسيرا للقرآن العظيم ، إن لم يقبلوها في كونها قرآنا ، فكانت مشهورة في حق حكم الصحابة رضي الله عنهم إياها في حق وجوب العمل ، فكانت بمنزلة الخبر المشهور والزيادة على الكتاب الكريم بالخبر المشهور جائزة بلا خلاف ، ويجوز بخبر الواحد ، وكذا عند بعض مشايخنا على ما عرف في أصول الفقه وعلى هذا يخرج ما إذا أفطر في خلال الصوم أنه يستقبل الصوم ، سواء أفطر لغير عذر أو لعذر مرض ، أو سفر ; لفوت شرط التتابع ، وكذلك لو أفطر يوم الفطر أو يوم النحر أو أيام التشريق ، فإنه يستقبل الصيام سواء أفطر في هذه الأيام أو لم يفطر ; لأن الصوم في هذه الأيام لا يصلح لإسقاط ما في ذمته ; لأن ما في ذمته كامل والصوم في هذه الأيام ناقص لمجاورة المعصية إياه ، والناقص لا ينوب عن الكامل ولو كانت امرأة فصامت عن كفارة الإفطار في رمضان ، أو عن كفارة القتل ، فحاضت في خلال ذلك لا يلزمها الاستقبال ; لأنها لا تجد صوم شهرين لا تحيض فيهما فكانت معذورة ، وعليها أن تصلي أيام القضاء بعد الحيض بما قبله حتى لو لم تصلي وأفطرت يوما بعد الحيض استقبلت ; لأنها تركت التتابع من غير ضرورة ، ولو نفست تستقبل لعدم الضرورة ; لأنها تجد شهرين لا نفاس فيهما ، ولو كانت في صوم كفارة اليمين ، فحاضت في خلال ذلك تستقبل ; لأنها تجد ثلاثة أيام لا حيض فيها فلا ضرورة إلى سقوط اعتبار الشرط ولو جامع امرأته التي لم يظاهر منها بالنهار ناسيا ، أو بالليل عامدا أو ناسيا ، أو أكل بالنهار ناسيا ، لا يستقبل ; لأن الصوم لم يفسد فلم يفت شرط التتابع ( ومنها ) عدم المسيس في الشهرين في صوم كفارة الظهار ، سواء فسد الصوم أو لا في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : الشرط عدم فساد الصوم حتى لو جامع امرأته التي ظاهر منها بالليل عامدا أو ناسيا ، أو بالنهار ناسيا ، استقبل عندهما وعند أبي يوسف : يمضي على صومه وبه أخذ الشافعي ( وجه ) قول أبي يوسف أن هذا الجماع لا ينقطع به التتابع ; لأنه لا يفسد الصوم فلا يجب الاستقبال ، كما لو جامع امرأة أخرى ، ثم ظاهر منها والصحيح قولنا ; لأن المأمور به صوم شهرين متتابعين لا مسيس فيهما ، بقوله { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } ، فإذا جامع في خلالهما ، فلم يأت بالمأمور به ، ولو جامعها بالنهار عامدا استقبل بالاتفاق ( أما ) عندهما فلوجود المسيس ، ( وأما ) عنده فلانقطاع التتابع لوجود فساد الصوم ( وأما ) وجوب كفارة الحلق ، فصاحبه بالخيار إن شاء فرق لإطلاق قوله تبارك وتعالى { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } من غير فصل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية