الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) أن يكون خاليا عن شرط الخيار .

                                                                                                                                فإن شرط الخيار فيه لهما أو لأحدهما فسد الصرف ; لأن القبض في هذا العقد شرط بقائه على الصحة ، وخيار العقد يمنع انعقاد العقد في حق الحكم فيمنع صحة القبض ، ولو أبطل صاحب الخيار خياره قبل الافتراق ثم افترقا عن تقابض ينقلب إلى الجواز عندنا خلافا لزفر ولو لم يبطل حتى افترقا تقدر الفساد ، وقد ذكرنا جنس هذه المسائل بدلائلها فيما تقدم .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يكون خاليا عن الأجل لهما أو لأحدهما .

                                                                                                                                فإن شرطاه لهما أو لأحدهما فسد الصرف ; لأن قبض البدلين مستحق قبل الافتراق ، والأجل يعدم القبض فيفسد العقد ، فإن أبطل صاحب الأجل أجله قبل الافتراق فنقد ما عليه ثم افترقا عن تقابض ينقلب جائزا عندنا خلافا لزفر وهاتان الشريطتان على الحقيقة فرعيتان لشريطة القبض إلا أن إحداهما تؤثر في نفس القبض والأخرى في صحته على ما بينا .

                                                                                                                                وأما خيار العيب وخيار الرؤية فيثبتان في هذا العقد ; لأنهما لا يمنعان حكم العقد فلا يمنعان صحة القبض ; لأن خيار الرؤية يثبت في العين وهو التبر والنقرة والمصوغ .

                                                                                                                                ولا يثبت في الدين وهو الدراهم والدنانير المضروبة ; لأنه لا فائدة في الرد إذ العقد لا ينفسخ بالرد ; لأنه ما ورد على عين المردود ، وقيام العقد يقتضي ولاية المطالبة بمثله ، فإذا قبض يرده فيطالبه بآخر هكذا إلى ما لا يتناهى ، وكذا خيار الرؤية ; لأنه لا يثبت في سائر الديون في سائر العقود لما قلنا بخلاف ما إذا كان ثمن الصرف عينا ; لأن هناك ينفسخ العقد بالرد فلا يملك المطالبة بعين أخرى فكان الرد مفيدا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                وأما خيار العيب فيثبت في الوجهين جميعا [ ص: 220 ] لأن السلامة عن العيب مطلوبة عادة ففواتها يوجب الخيار كما في سائر البياعات إلا أن بدل الصرف إذا كان عينا فرده بالعيب يفسخ العقد ، سواء رده في المجلس أو بعد الافتراق ، ويرجع على البائع بما نقد ، وإن كان دينا بأن وجد الدراهم المقبوضة زيوفا أو كاسدة أو وجدها رائجة في بعض التجارات دون البعض ، وذلك عيب عند التجار فردها في المجلس ينفسخ العقد بالرد حتى لو استبدل مكانه مضى الصرف .

                                                                                                                                وإن ردها بعد الافتراق بطل الصرف عند أبي حنيفة وزفر لحصول الافتراق لا عن قبض ، وعند أبي يوسف ومحمد لا يبطل إذا استبدل في مجلس الرد على ما ذكرنا في السلم ، وخيار المستحق لا يبطل الصرف أيضا ; ولأنه لا يمنع صحة القبض على تقدير الإجازة ، واحتمال الإجازة قائم فلا يبطل العقد المنعقد ظاهرا بالشك ، ثم إذا استحق أحد بدلي الصرف بعد الافتراق ، فإن كان أجاز المستحق والبدل قائم ، أو ضمن الناقد وهو هالك جاز الصرف ; لأنه إذا كان قائما كان بمحل الإجازة ، والإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة ، وإذا كان هالكا ضمن الناقد المضمون بالضمان فتبين أنه سلم ملك نفسه ، وإن استرده وهو قائم أو ضمن القابض قيمته وهو هالك بطل الصرف ; لأنه نقض قبضه أو تبين أنه لم يصح بخلاف الأول ; لأنه سلم له القبض فجاز الصرف والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية