الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما شرائط الجواز فكل ما هو شرط جواز الصلاة من طهارة الحدث وهي الوضوء والغسل ، وطهارة النجس وهي طهارة البدن والثوب ، ومكان السجود والقيام والقعود فهو .

                                                                                                                                شرط جواز السجدة ; لأنها جزء من أجزاء الصلاة فكانت معتبرة بسجدات الصلاة ولهذا لا يجوز أداؤها بالتيمم إلا أن لا يجد ثمة ماء أو يكون مريضا ; لأن شرط صيرورة التيمم طهارة حال وجود الماء خشية الفوت ولم يوجد ; لأن وجوبها على التراخي على ما بينا فيما تقدم وكذا لا يجوز أداؤها إلا إلى القبلة حال الاختيار إذا تلاها على الأرض ولا يجزيه الإيماء كما في سجدات الصلاة فإن اشتبهت عليه القبلة فتحرى وسجد إلى جهة فأخطأ القبلة أجزأه ; لأن الصلاة بالتحري إلى غير جهة القبلة جائزة فالسجدة أولى .

                                                                                                                                ولو تلاها على الراحلة وهو مسافر أو تلاها على الأرض وهو مريض لا يستطيع السجود أجزأه الإيماء والقياس أن لا يجزئه الإيماء على الراحلة وهو قول بشر ; لأنها واجبة فلا يجوز أداؤها على الراحلة من غير عذر كالنذر فإن الراكب إذا نذر أن يصلي ركعتين لم يجز أن يؤديهما على الدابة من غير عذر كذا هذا .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن التلاوة أمر دائم بمنزلة التطوع فكان في اشتراط النزول حرج بخلاف الفرض والنذر ، وما وجب من السجدة في الأرض لا يجوز على الدابة وما وجب على الدابة يجوز على الأرض ; لأن ما وجب على الأرض وجب تاما فلا يسقط بالإيماء الذي هو بعض السجود فأما ما وجب على الدابة وجب بالإيماء لما روي عن علي رضي الله عنه أنه تلا سجدة وهو راكب فأومأ بها إيماء .

                                                                                                                                وروي عن ابن عمر أنه سئل عمن سمع سجدة وهو راكب قال فليوم [ ص: 187 ] إيماء ، وإذا وجب الإيماء فإذا نزل وأداها على الأرض فقد أداها تامة فكانت أولى بالجواز كما في الصلاة على ما مر .

                                                                                                                                ولو تلاها على الدابة فنزل ثم ركب فأداها بالإيماء جاز إلا على قول زفر هو يقول : لما نزل وجب أداؤها على الأرض فصار كما لو تلاها على الأرض .

                                                                                                                                ( ولنا ) أنه لو أداها قبل نزوله بالإيماء جاز فكذلك بعد ما نزل وركب ; لأنه يؤديها بالإيماء في الوجهين جميعا وقد وجبت بهذه الصفة وصار كما لو افتتح الصلاة في وقت مكروه فأفسدها ثم قضاها في وقت آخر مكروه وأجزأه ; لأنه أداها على الوصف الذي وجبت ، كذا هذا وكذا يشترط لها ستر العورة لما قلنا ويشترط النية ; لأنها عبادة فلا تصح بدون النية وكذا الوقت حتى لو تلاها أو سمعها في وقت غير مكروه فأداها في وقت مكروه لا تجزئه ; لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص كالصلاة .

                                                                                                                                ولو تلاها في وقت مكروه وسجدها فيه أجزأه ; لأنه أداها كما وجبت وإن لم يسجدها في ذلك الوقت وسجدها في وقت آخر مكروه جاز أيضا ; لأنه أداها كما وجبت ; لأنها وجبت ناقصة وأداها ناقصة كما في الصلاة إلا أنه لا يشترط لها التحريمة عندنا ; لأنها لتوحيد الأفعال المختلفة ولم توجد وكذلك كل ما يفسد الصلاة عندنا من الحدث والعمل والكلام والقهقهة فهو مفسد لها وعليه إعادتها كما لو وجدت في سجدة الصلاة .

                                                                                                                                وقيل هذا على قول محمد ; لأن العبرة عنده لتمام الركن وهو الرفع ولم يحصل بعد فأما عند أبي يوسف فقد حصل الوضع قبل هذه العوارض والعبرة عنده للوضع فينبغي أن لا تفسدها إلا أنه لا وضوء عليه في القهقهة فيها لما ذكرنا في كتاب الطهارة ، وكذا محاذاة المرأة الرجل فيها لا تفسد عليه السجدة وإن نوى إمامتها ; لانعدام الشركة إذ هي مبنية على التحريمة ولا تحريمة لهذه السجدة ولأن المحاذاة إنما عرفناها مفسدة بأمر الشرع بتأخيرها والأمر ورد في صلاة مطلقة وهذه ليست بصلاة مطلقة فلم تكن المحاذاة فيها مفسدة كما في صلاة الجنازة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية