الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما كيفية التكفين فينبغي أن تجمر الأكفان أولا وترا أي : مرة ، أو ثلاثا ، أو خمسا ولا يزيد عليه لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إذا أجمرتم الميت فأجمروه وترا } ; ولأن الثوب الجديد أو الغسيل مما يطيب ويجمر في حالة الحياة ، فكذا بعد الممات ، والوتر مندوب إليه في ذلك لقوله : صلى الله عليه وسلم { إن الله تعالى وتر يحب [ ص: 308 ] الوتر } ثم تبسط اللفافة وهي الرداء طولا ، ثم يبسط الإزار عليها طولا ثم يلبسه القميص إن كان له قميص وإن لم يكن سرواله ; لأن اللبس بعد الوفاة معتبر بحال الحياة إلا أن في حياته كان يلبس السراويل حتى لا تنكشف عورته عند المشي ، ولا حاجة إلى ذلك بعد موته فأقيم الإزار مقام السراويل ، إلا أن الإزار في حال حياته تحت القميص وبعد الموت فوق القميص من المنكب إلى القدم ; لأن الإزار تحت القميص حالة الحياة ليتيسر عليه المشي وبعد الموت لا يحتاج إلى المشي ، ثم يوضع الحنوط في رأسه ولحيته .

                                                                                                                                لما روي أن آدم - صلوات الله وسلامه عليه - لما توفي غسلته الملائكة وحنطوه ويوضع الكافور على مساجده يعني جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لما روي عن ابن مسعود أنه قال : وتتبع مساجده بالطيب يعني بالكافور ; ولأن تعظيم الميت واجب ومن تعظيمه أن يطيب لئلا تجيء منه رائحة منتنة وليصان عن سرعة الفساد ، وأولى المواضع بالتعظيم مواضع السجود ، وكذا الرأس واللحية هما من أشرف الأعضاء ; لأن الرأس موضع الدماغ ، ومجمع الحواس ، واللحية من الوجه ، والوجه من أشرف الأعضاء ، وعن زفر أنه قال : يذر الكافور على عينيه وأنفه وفمه ; لأن المقصود أن يتباعد الدود من الموضع الذي يذر عليه الكافور فخص هذه المحال من بدنه لهذا ، وإن لم يجد ذلك لم يضره ولا بأس بسائر الطيب غير الزعفران والورس في حق الرجل لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى الرجال عن المزعفر } ولم يذكر في الأصل أنه هل تحشى محارقه ؟ وقالوا : إن خشي خروج شيء يلوث الأكفان فلا بأس بذلك في أنفه وفمه ، وقد جوز الشافعي في دبره أيضا ، واستقبح ذلك مشايخنا وإن لم يخش جاز الترك ; لانعدام الحاجة إليه ، ثم يعطف الإزار عليه من قبل شقه الأيسر وإن كان الإزار طويلا حتى يعطف على رأسه وسائر جسده فهو أولى ، ثم يعطف من قبل شقه الأيمن كذلك فيكون الأيمن فوق الأيسر ، ثم تعطف اللفافة ، وهي الرداء كذلك ; لأن المنتقب في حالة الحياة هكذا يفعل إذا تحزم بدأ بعطف شقه الأيسر على الأيمن ثم يعطف الأيمن على الأيسر فكذا يفعل به بعد الممات ، فإن خيف أن تنتشر أكفانه تعقد ، ولكن إذا وضع في قبره تحل العقد لزوال ما لأجله عقد والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية