الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو سال الدم إلى ما لان من الأنف أو إلى صماخ الأذن يكون حدثا لوجود خروج النجس ، وهو انتقال الدم من الباطن إلى الظاهر .

                                                                                                                                وروي عن محمد في رجل أقلف خرج البول أو المذي من ذكره ، حتى صار في قلفته فعليه الوضوء ، وصار بمنزلة المرأة إذا خرج المذي ، أو البول من فرجها ، ولم يظهر ، ولو حشا الرجل إحليله بقطنة فابتل الجانب الداخل منها لم ينتقض وضوءه لعدم الخروج ، وإن تعدت البلة إلى الجانب الخارج ينظر إن كانت القطنة عالية أو محاذية لرأس الإحليل ينتقض وضوءه لتحقق الخروج .

                                                                                                                                وإن كانت متسفلة لم ينتقض ، لأن الخروج لم يتحقق ، ولو حشت المرأة فرجها بقطنة فإن وضعتها في الفرج الخارج فابتل الجانب الداخل من القطنة كان حدثا ، وإن لم ينفذ إلى الجانب الخارج لا يكون حدثا ، لأن الفرج الخارج منها بمنزلة الأليتين من الدبر فوجد الخروج ، وإن وضعتها في الفرج الداخل فابتل الجانب الداخل من القطنة لم يكن حدثا لعدم الخروج ، وإن تعدت البلة إلى الجانب الخارج فإن كانت القطنة عالية ، أو محاذية لجانب الفرج كان حدثا لوجود الخروج ، وإن كانت متسفلة لم يكن حدثا لعدم الخروج ، وهذا كله إذا لم تسقط القطنة فإن سقطت القطنة فهو حدث ، وحيض في المرأة سواء ابتل الجانب الخارج ، أو الداخل لوجود الخروج .

                                                                                                                                ولو كان في أنفه قرح فسال الدم عن رأس القرح يكون حدثا ، وإن لم يخرج من المنخر لوجود السيلان عن محله ، ولو بزق فخرج معه الدم إن كانت الغلبة للبزاق لا يكون حدثا ، لأنه ما خرج بقوة نفسه .

                                                                                                                                وإن كانت الغلبة للدم يكون حدثا ، لأن الغالب إذا كان هو البزاق لم يكن خارجا بقوة نفسه فلم يكن سائلا ، وإن كان الغالب هو الدم كان خروجه بقوة نفسه فكان سائلا ، وإن كانا سواء [ ص: 27 ] فالقياس أن لا يكون حدثا ، وفي الاستحسان يكون حدثا وجه القياس أنهما إذا استويا احتمل أن الدم خرج بقوة نفسه ، واحتمل أنه خرج بقوة البزاق ، فلا يجعل حدثا بالشك ، وللاستحسان وجهان أحدهما أنهما إذا استويا تعارضا فلا يمكن أن يجعل أحدهما تبعا للآخر فيعطى كل واحد منهما حكم نفسه فيعتبر خارجا بنفسه فيكون سائلا ، والثاني أن الأخذ بالاحتياط عند الاشتباه واجب ، وذلك فيما قلنا .

                                                                                                                                ولو ظهر الدم على رأس الجرح فمسحه مرارا فإن كان بحال لو تركه لسال يكون حدثا ، وإلا ، فلا ، لأن الحكم متعلق بالسيلان ، ولو ألقى عليه الرماد ، أو التراب فتشرب فيه ، أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ، ونفذ قالوا : يكون حدثا لأنه سائل ، وكذا لو كان الرباط ذا طاقين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا .

                                                                                                                                ولو سقطت الدودة أو اللحم من الفرج لم يكن حدثا ، ولو سقطت من السبيلين يكون حدثا ، والفرق أن الدودة الخارجة من السبيل نجسة في نفسها لتولدها من الأنجاس وقد خرجت بنفسها ، وخروج النجس بنفسه حدث بخلاف الخارجة من القرح لأنها طاهرة نفسها لأنها تتولد من اللحم ، واللحم طاهر ، وإنما النجس ما عليها من الرطوبات ، وتلك الرطوبات خرجت بالدابة لا بنفسها فلم يوجد خروج النجس ، فلا يكون حدثا .

                                                                                                                                ولو خلل أسنانه فظهر الدم على رأس الخلال لا يكون حدثا ، لأنه ما خرج بنفسه ، وكذا لو عض على شيء فظهر الدم على أسنانه لما قلنا ، ولو سعط في أنفه ووصل السعوط إلى رأسه ، ثم رجع إلى الأنف أو إلى الأذن لا يكون حدثا لأن الرأس ليس موضع الأنجاس ، ولو عاد إلى الفم ، ذكر الكرخي أنه لا يكون حدثا لما قلنا وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف أن حكمه حكم القيء ، لأن ما وصل إلى الرأس لا يخرج من الفم إلا بعد نزوله في الجوف .

                                                                                                                                ولو قاء بلغما لم يكن حدثا في قول أبي حنيفة ، ومحمد وعند أبي يوسف يكون حدثا فمن مشايخنا من قال لا خلاف في المسألة ، لأن جواب أبي يوسف في الصاعد من المعدة ، وهو حدث عند الكل وجوابهما في المنحدر من الرأس ، وهو ليس بحدث عند الكل ، ومنهم من قال في المنحدر من الرأس اتفاق أنه ليس بحدث .

                                                                                                                                وفي الصاعد من المعدة اختلاف .

                                                                                                                                وجه قول أبي يوسف أنه نجس لاختلاطه بالأنجاس ، لأن المعدة معدن الأنجاس فيكون حدثا كما لو قاء طعاما أو ماء ، ولهما أنه شيء صقيل لا يلتصق به شيء من الأنجاس فكان طاهرا على أن الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتادوا أخذ البلغم بأطراف أرديتهم ، وأكمامهم من غير نكير فكان إجماعا منهم على طهارته ، وذكر أبو منصور أنه لا خلاف في المسألة في الحقيقة ، لأن جواب أبي يوسف في الصاعد من المعدة ، وأنه حدث بالإجماع ، لأنه نجس وجوابهما في الصاعد من حواشي الحلق ، وأطراف الرئة ، وأنه ليس بحدث بالإجماع ، لأنه ظاهر فينظر إن كان صافيا غير مخلوط بشيء من الطعام ، وغيره تبين أنه لم يصعد من المعدة ، فلا يكون نجسا ، فلا يكون حدثا ، وإن كان مخلوطا بشيء من ذلك تبين أنه صعد منها فكان نجسا فيكون حدثا ، وهذا هو الأصح .

                                                                                                                                وأما إذا قاء دما فلم يذكر في ظاهر الرواية نصا ، وذكر المعلى عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف أنه يكون حدثا قليلا كان ، أو كثيرا جامدا كان ، أو مائعا .

                                                                                                                                وروي عن الحسن بن زياد عنهما أنه إن كان مائعا ينقض قل ، أو كثر ، وإن كان جامدا لا ينقض ما لم يملأ الفم وروى ابن رستم عن محمد أنه لا يكون حدثا ما لم يملأ الفم كيفما كان ، وبعض مشايخنا صححوا رواية محمد ، وحملوا رواية الحسن ، والمعلى في القليل من المائع على الرجوع .

                                                                                                                                وعليه اعتمد شيخنا ، لأنه الموافق لأصول أصحابنا في اعتبار خروج النجس ، لأن الحدث اسم له ، والقليل ليس بخارج لما مر ، وإليه أشار في الجامع الصغير من غير خلاف فإنه قال ، وإذا قلس أقل من ملء الفم لم ينتقض الوضوء من غير فصل بين الدم ، وغيره ، وعامة مشايخنا حققوا الاختلاف ، وصححوا قولهما ، لأن القياس في القليل من سائر أنواع القيء أن يكون حدثا لوجود الخروج حقيقة ، وهو الانتقال من الباطن إلى الظاهر ، لأن الفم له حكم الظاهر على الإطلاق ، وإنما سقط اعتبار القليل لأجل الحرج لأنه يكثر وجوده .

                                                                                                                                ولا حرج في اعتبار القليل من الدم ، لأنه لا يغلب وجوده بل يندر فبقي على أصل القياس ، والله أعلم هذا الذي ذكرنا حكم الأصحاء .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية