الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الغيل وهو وطء المرضعة .

ثبت عنه في " صحيح مسلم " : أنه قال : ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم ) .

وفي " سنن أبي داود " عنه من حديث أسماء بنت يزيد : ( لا تقتلوا أولادكم سرا فوالذي نفسي بيده إنه ليدرك الفارس فيدعثره ) .

قال : قلت : ما يعني ؟ قالت : الغيلة يأتي الرجل امرأته وهي ترضع .

قلت : أما الحديث الأول فهو حديث جدامة بنت وهب ، وقد تضمن [ ص: 135 ] أمرين لكل منهما معارض فصدره هو الذي تقدم : ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ) وقد عارضه حديث أسماء ، وعجزه : ثم سألوه عن العزل ، فقال : ( ذلك الوأد الخفي ) وقد عارضه حديث أبي سعيد : ( كذبت يهود ) ، وقد يقال إن قوله : ( لا تقتلوا أولادكم سرا ) نهي أن يتسبب إلى ذلك ، فإنه شبه الغيل بقتل الولد ، وليس بقتل حقيقة ، وإلا كان من الكبائر ، وكان قرين الإشراك بالله .

ولا ريب أن وطء المراضع مما تعم به البلوى ، ويتعذر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع ، ولو كان وطؤهن حراما لكان معلوما من الدين ، وكان بيانه من أهم الأمور ، ولم تهمله الأمة وخير القرون ، ولا يصرح أحد منهم بتحريمه ، فعلم أن حديث أسماء على وجه الإرشاد والاحتياط للولد ، وأن لا يعرضه لفساد اللبن بالحمل الطارئ عليه ، ولهذا كان عادة العرب أن يسترضعوا لأولادهم غير أمهاتهم ، والمنع منه غايته أن يكون من باب سد الذرائع التي قد تفضي إلى الإضرار بالولد ، وقاعدة باب سد الذرائع إذا عارضه مصلحة راجحة قدمت عليه كما تقدم بيانه مرارا والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية