الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما سيرته في أوليائه وحزبه ، فأمره أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، وألا تعدو عيناه عنهم ، وأمره أن يعفو عنهم ، ويستغفر لهم ، ويشاورهم في الأمر ، وأن يصلي عليهم .

وأمره بهجر من عصاه وتخلف عنه حتى يتوب ، ويراجع طاعته ، كما هجر الثلاثة الذين خلفوا .

وأمره أن يقيم الحدود على من أتى موجباتها منهم ، وأن يكونوا عنده في ذلك سواء شريفهم ودنيئهم .

وأمره في دفع عدوه من شياطين الإنس ، بأن يدفع بالتي هي أحسن ، فيقابل إساءة من أساء إليه بالإحسان ، وجهله بالحلم ، وظلمه بالعفو ، وقطيعته بالصلة ، وأخبره أنه إن فعل ذلك عاد عدوه كأنه ولي حميم .

وأمره في دفعه عدوه من شياطين الجن بالاستعاذة بالله منهم ، وجمع له هذين الأمرين في ثلاثة مواضع من القرآن : في ( سورة الأعراف ) و( المؤمنون ) [ ص: 146 ] و ( سورة حم فصلت ) فقال في سورة الأعراف ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 - 200 ] فأمره باتقاء شر الجاهلين بالإعراض عنهم ، وباتقاء شر الشيطان بالاستعاذة منه ، وجمع له في هذه الآية مكارم الأخلاق والشيم كلها ، فإن ولي الأمر له مع الرعية ثلاثة أحوال : فإنه لا بد له من حق عليهم يلزمهم القيام به ، وأمر يأمرهم به ، ولا بد من تفريط وعدوان يقع منهم في حقه ، فأمر بأن يأخذ من الحق الذي عليهم ما طوعت به أنفسهم ، وسمحت به ، وسهل عليهم ، ولم يشق ، وهو العفو الذي لا يلحقهم ببذله ضرر ولا مشقة ، وأمر أن يأمرهم بالعرف ، وهو المعروف الذي تعرفه العقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، وتقر بحسنه ونفعه ، وإذا أمر به يأمر بالمعروف أيضا لا بالعنف والغلظة . وأمره أن يقابل جهل الجاهلين منهم بالإعراض عنه دون أن يقابله بمثله ، فبذلك يكتفي شرهم .

وقال تعالى في سورة المؤمنون : ( قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 93 - 98 ] .

وقال تعالى في سورة حم فصلت : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36] فهذه سيرته مع أهل الأرض إنسهم ، وجنهم ، مؤمنهم ، وكافرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية