الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وفي هذه الغزوة قدم عليه صلى الله عليه وسلم ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه [ ص: 295 ] ومعهم الأشعريون عبد الله بن قيس أبو موسى وأصحابه ، وكان فيمن قدم معهم أسماء بنت عميس . قال أبو موسى : بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين أنا وأخوان لي أنا أصغرهما ، أحدهما أبو رهم والآخر أبو بردة في بضع وخمسين رجلا من قومي ، فركبنا سفينة ، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده ، فقال جعفر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة ، فأقيموا معنا ، فأقمنا معه حتي قدمنا جميعا ، فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معهم ، وكان ناس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة .

قال : ( ودخلت أسماء بنت عميس على حفصة فدخل عليها عمر فقال : من هذه ؟ قالت أسماء . فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم . فغضبت وقالت : يا عمر ، كلا والله ، لقد كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في أرض البعداء البغضاء ، وذلك في الله وفي رسوله ، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن كنا نؤذى ونخاف ، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك . فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ، إن عمر قال كذا وكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما قلت له ؟ قالت : قلت له كذا وكذا . فقال : ليس بأحق بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ) . وكان أبو موسى وأصحاب السفينة يأتون أسماء أرسالا يسألونها عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

[ ص: 296 ] ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقبل جبهته وقال : ( والله ما أدري بأيهما أفرح ؛ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ) ؟ .

وأما ما روي في هذه القصة أن جعفرا لما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حجل ، يعني : مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعله أشباه الدباب الرقاصون أصلا لهم في الرقص ، فقال البيهقي ، وقد رواه من طريق الثوري عن أبي الزبير عن جابر : وفي إسناده إلى الثوري من لا يعرف .

قلت : ولو صح لم يكن في هذا حجة على جواز التشبه بالدباب والتكسر والتخنث في المشي المنافي لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن هذا لعله كان من عادة الحبشة تعظيما لكبرائها كضرب الجوك عند الترك ونحو ذلك ، فجرى جعفر على تلك العادة وفعلها مرة ثم تركها لسنة الإسلام ، فأين هذا من القفز والتكسر والتثني والتخنث ؟! وبالله التوفيق .

قال موسى بن عقبة : ( كانت بنو فزارة ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم ، فراسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يعينوهم ، وأن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا ، فأبوا عليه ، فلما فتح الله عليه خيبر أتاه من كان ثم من بني فزارة فقالوا : وعدك الذي وعدتنا . فقال : لكم ذو الرقيبة . جبل من جبال خيبر ، فقالوا : إذا نقاتلك . فقال : موعدكم كذا . فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا هاربين )

وقال الواقدي : قال أبو شييم المزني - وكان قد أسلم فحسن إسلامه - : ( لما نفرنا إلى أهلنا مع عيينة بن حصن رجع بنا عيينة ، فلما كان دون خيبر عرسنا من الليل ، ففزعنا ، فقال عيينة : أبشروا ، إني أرى الليلة في النوم أنني أعطيت ذا الرقيبة - جبلا بخيبر - قد والله أخذت برقبة محمد . فلما قدمنا خيبر قدم عيينة ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر . فقال : يا محمد ، أعطني ما غنمت من [ ص: 297 ] حلفائي ؛ فإني انصرفت عنك وقد فرغنا لك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت ولكن الصياح الذي سمعت نفرك إلى أهلك . قال : أجزني يا محمد ؟ قال : لك ذو الرقيبة . قال : وما ذو الرقيبة ؟ قال : الجبل الذي رأيت في النوم أنك أخذته ) فانصرف عيينة ، فلما رجع إلى أهله جاءه الحارث بن عوف فقال : ألم أقل لك : إنك توضع في غير شيء ، والله ليظهرن محمد على ما بين المشرق والمغرب ، يهود كانوا يخبروننا بهذا ، أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول : إنا نحسد محمدا على النبوة حيث خرجت من بني هارون ، وهو نبي مرسل ، ويهود لا تطاوعني على هذا ، ولنا منه ذبحان : واحد بيثرب وآخر بخيبر . قال الحارث : قلت لسلام : يملك الأرض جميعا ؟ قال : نعم والتوراة التي أنزلت على موسى ، وما أحب أن تعلم يهود بقولي فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية