الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

واختلف في تسمية هذه العمرة بعمرة القضاء ، هل هو لكونها قضاء للعمرة التي صدوا عنها أو من المقاضاة ؟ على قولين تقدما ، قال الواقدي : حدثني [ ص: 334 ] عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : لم تكن هذه العمرة قضاء ، ولكن كان شرطا على المسلمين أن يعتمروا في الشهر الذي حاصرهم فيه المشركون .

واختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال :

أحدها : أن من أحصر عن العمرة يلزمه الهدي والقضاء ، وهذا إحدى الروايات عن أحمد ، بل أشهرها عنه .

والثاني : لا قضاء عليه ، وعليه الهدي ، وهو قول الشافعي ، ومالك في ظاهر مذهبه ، ورواية أبي طالب عن أحمد .

والثالث : يلزمه القضاء ، ولا هدي عليه ، وهو قول أبي حنيفة .

والرابع : لا قضاء عليه ، ولا هدي ، وهو إحدى الروايات عن أحمد .

فمن أوجب عليه القضاء والهدي ، احتج بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه نحروا الهدي حين صدوا عن البيت ، ثم قضوا من قابل ، قالوا : والعمرة تلزم بالشروع فيها ، ولا يسقط الوجوب إلا بفعلها ونحر الهدي لأجل التحلل قبل تمامها ، وقالوا : وظاهر الآية يوجب الهدي ، لقوله تعالى : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) [ البقرة : 196 ] .

ومن لم يوجبهما قالوا : لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين أحصروا معه بالقضاء ، ولا أحدا منهم ، ولا وقف الحل على نحرهم الهدي بل أمرهم أن يحلقوا رءوسهم وأمر من كان معه هدي أن ينحر هديه .

ومن أوجب الهدي دون القضاء احتج بقوله : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) .

ومن أوجب القضاء دون الهدي ، احتج بأن العمرة تلزم بالشروع ، فإذا أحصر جاز له تأخيرها لعذر الإحصار ، فإذا زال الحصر ، أتى بها بالوجوب السابق ، ولا يوجب تخلل التحلل بين الإحرام بها أولا وبين فعلها في وقت الإمكان ، شيئا ، وظاهر القرآن يرد هذا القول ، ويوجب الهدي دون القضاء ؛ لأنه جعل الهدي هو جميع ما على المحصر ، فدل على أنه يكتفى به منه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية