الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  ما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر

                                                                  اعلم أن المسافر يحتاج في أول سفره إلى أن يتزود لدنياه وآخرته ، وأما زاد الدنيا : فالطعام والشراب وما يحتاج إليه من نفقة ، فإن خرج من غير زاد فلا بأس به إذا كان سفره في قافلة أو بين قرى متصلة ، وإن ركب البادية وحده أو مع قوم لا طعام معهم ولا شراب ، فإن كان ممن يصبر على الجوع أسبوعا أو عشرا مثلا أو يكتفي بالحشيش فله ذلك ، وإن لم يكن له قوة الصبر على الجوع ولا الاجتزاء بالحشيش فخروجه من غير زاد معصية ، فإنه ألقى نفسه بيده إلى التهلكة ، وليس معنى التوكل التباعد عن الأسباب بالكلية ، وإلا لوجب أن يصبر حتى يسخر الله له ملكا أو شخصا آخر حتى يصب الماء في فيه .

                                                                  وأما زاد الآخرة فهو العلم الذي يحتاج إليه في طهارته وصومه وصلاته وعباداته ، وذلك أن السفر يفيد في الطهارة رخصتين مسح الخفين والتيمم ، وفي صلاة الفرض رخصتين القصر والجمع ، وفي النفل رخصتين أداءه على الراحلة وأداءه ماشيا ، وفي الصوم رخصة واحدة وهي الفطر .

                                                                  فأما المسح على الخفين : فقال " صفوان بن عسال " : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن " . فكل من لبس الخف على طهارة مبيحة للصلاة ثم أحدث فله أن يمسح على خفه من وقت حدثه ثلاثة أيام ولياليهن إن كان مسافرا ، أو يوما وليلة إن كان مقيما .

                                                                  وأما التيمم : فالتراب بدل عن الماء عند العذر كبعده عن منزله بحيث لو مشى إليه لم يلحقه غوث القافلة إن صاح أو استغاث ، أو نزل على الماء عدو أو سبع ، أو احتاج إليه لعطشه أو عطش أحد رفقائه ، فيتيمم في هذه الصور ، وإن بيع الماء بثمن المثل لزمه الشراء أو بغبن لم يلزمه .

                                                                  وأما القصر : فله أن يقتصر في كل واحدة من الظهر والعصر والعشاء على ركعتين ، ولا يصير مسافرا إلا بمفارقة عمران البلد .

                                                                  [ ص: 158 ] وأما الجمع : بين الظهر والعصر في وقتيهما وبين المغرب والعشاء في وقتيهما فذلك أيضا في كل سفر طويل مباح ، وفي جوازه في السفر القصير قول : ثم إن قدم العصر إلى الظهر فلينو الجمع بين الظهر والعصر في وقتيهما قبل الفراغ من الظهر ، وليؤذن للظهر وليقم ، وعند الفراغ يقيم للعصر ، وإن أخر الظهر إلى العصر فيجري على هذا الترتيب .

                                                                  وأما النافلة : فقد جوز أداؤها على الراحلة كي لا يتعوق عن الرفقة بسببها ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته أينما توجهت به دابته ، وأوتر عليه السلام على الراحلة . وليس على المتنفل الراكب في الركوع والسجود إلا الإيماء . ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .

                                                                  وأما استقبال القبلة : فلا يجب لا في ابتداء الصلاة ولا في دوامها ، ولكن صوب الطريق بدل عن القبلة ، فليكن في جميع صلاته إما مستقبلا للقبلة أو متوجها في صوب الطريق لتكون له جهة يثبت فيها . وجوز للمسافر أيضا التنفل له ماشيا ، فيومئ بالركوع والسجود ولا يقعد للتشهد ، وحكمه حكم الراكب ، لكن ينبغي أن يتحرم بالصلاة مستقبلا للقبلة . وكل هارب من عدو أو سيل أو سبع فله أن يصلي الفريضة راكبا أو ماشيا كما ذكرناه في التنفل .

                                                                  وأما الفطر في رمضان للمسافر : فهو مرخص له ، والصوم أفضل له إلا إن كان يضره فالإفطار له أفضل .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية