الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  بيان علاج الغضب بعد هيجانه :

                                                                  ما تقدم هو حسم لمواد الغضب حتى لا يهيج ، فإذا جرى سبب هيجه فعنده يجب التثبت ؛ حتى لا يضطر صاحبه إلى العمل به على الوجه المذموم ، وإنما يعالج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل ، وأما العلم فهو أمور :

                                                                  الأول : أن يتفكر فيما ورد في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال ، فيرغب في ثوابه ، وتمنعه الرغبة في الأجر عن الانتقام ، وينطفئ عنه غيظه .

                                                                  الثاني : أن يخوف نفسه بعقاب الله لو أمضى غضبه ، وهل يأمن من غضب الله يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى العفو .

                                                                  الثالث : أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام ، وتشمر العدو لمقابلته ، والسعي في هدم أغراضه ، والشماتة بمصائبه ، وهو لا يخلو عن المصائب ، فيخوف نفسه بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة .

                                                                  الرابع : أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب ، بأن يتذكر صورة غيره في حالة الغضب ، ويتفكر في قبح الغضب في نفسه ، ومشابهة صاحبه للكلب الضاري والسبع العادي ، ومشابهة الحليم الهادي التارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء ، ويخير نفسه بين أن يتشبه بالكلاب والسباع وأراذل الناس ، وبين أن يتشبه بالعلماء والأنبياء في عادتهم ؛ لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مسكة من عقل .

                                                                  الخامس : أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام ويمنعه من كظم الغيظ ، مثل قول الشيطان له : إن هذا يحمل منك على العجز والذلة وتصير حقيرا في أعين الناس فيقول [ ص: 209 ] لنفسه : " ما أعجبك ! تأنفين من الاحتمال الآن ، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة ، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله والملائكة والنبيين " .

                                                                  فمهما كظم الغيظ فينبغي أن يكظمه لله ، وذلك يعظمه عند الله ، فما له وللناس ؟ .

                                                                  وأما العمل فأن تقول بلسانك : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وإن كنت قائما فاجلس ، وإن كنت جالسا فاضطجع ، ويستحب أن يتوضأ بالماء البارد ؛ فإن الغضب من النار ، والنار لا يطفئها إلا الماء .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية