الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تسقط زكاة حرث ) أي حب وثمار ( ومعدن وماشية بدين ) أي بسببه ( أو ) بسبب ( فقد أو أسر ) [ ص: 481 ] لحمله على الحياة وكذا زكاة الفطر لا تسقط بما ذكر ( وإن ساوى ) الدين ( ما بيده ) من ذلك أو زاد كمن عليه خمسة أوسق أو خمسة من الإبل وبيده مثلها أو عليه عشرة وبيده خمسة وأحرى لو خالف ما بيده كمن عليه حرث وبيده ماشية أو عكسه ( إلا زكاة فطر عن عبد ) و ( عليه مثله ) فإنها تسقط حيث لم يكن عنده شيء يجعل في مقابلته ( بخلاف ) زكاة ( العين ) فإن الدين والفقد والأسر يسقطها ( ولو ) كان الدين ( دين زكاة ) ترتبت في ذمته ولو زكاة فطر كما هو ظاهره ( أو ) كان الدين الذي عليه ( مؤجلا ) [ ص: 482 ] ويعتبر عدده لا قيمته ( أو ) كان ( كمهر ) لزوجة ولو مؤجلا أدخلت الكاف دين الوالدين والصديق مما شأنه أن لا يطلب ( أو نفقة زوجة مطلقا ) حكم بها حاكم أو لا لأنها في نظير الاستمتاع ( أو ) نفقة ( ولد إن حكم بها ) أي قضى بما تجمد منها في الماضي حاكم غير مالكي يرى ذلك وصورتها أنه تجمد عليه فيما مضى شيء من النفقة فطالب الولد أباه به فامتنع فرفع لحاكم يرى ذلك فحكم بها فاندفع ما أورد بأنه إن حكم بالمستقبلة لا يصح لأن الحكم لا يدخل المستقبلات وإن حكم بالماضي فلا يلزمه لسقوطها بمضي الزمن وإنما سقطت بالحكم المذكور لأن الحكم صيرها كالدين في اللزوم وسواء تقدم للولد يسر أم لا بإنفاق فإن لم يحكم بها حاكم فقال ابن القاسم لا تسقط وقال أشهب تسقط واختلف هل بينهما خلاف أو وفاق وإلى ذلك أشار مفرعا على مفهوم الشرط بقوله ( وهل ) عدم سقوط الزكاة عن الأب إن لم يحكم بها عند ابن القاسم ( إن تقدم ) للولد ( يسر ) أيام قطع النفقة عنه فإن لم يتقدم له يسر فتسقط كما هو قول أشهب فبينهما وفاق أو يبقى كل على إطلاقه فبينهما خلاف ( تأويلان ) فالمذكور تأويل الوفاق والمحذوف تأويل الخلاف وفي بعض النسخ وهل إن لم يتقدم يسر تأويلان وصوابه وهل وإن لم إلخ بواو قبل إن ويكون المذكور تأويل الخلاف والمحذوف تأويل الوفاق وهي مفرعة على المفهوم أيضا وأنت خبير بأنه لا يفهم الفقه من ذات المتن فلو قال أو ولد إن حكم بها وإلا فلا وهل إن تقدم له يسر أو مطلقا تأويلان لكان أحسن ( أو ) كانالدين تجمد من نفقة ( والد ) أب أو أم فتسقط زكاة الابن بشرطين أشار لهما بقوله ( بحكم إن تسلف ) الأب ما ينفقه على نفسه حتى يأخذ بدله من ولده فإن لم يحكم بها أو حكم بها ولم يتسلف بأن تحيل في الإنفاق على نفسه بسؤال أو غيره لم تسقط عن الابن ثم عطف على مقدر أي فتسقط الزكاة بما ذكر من الديون

التالي السابق


( قوله زكاة حرث ) أي محروث ( قوله ومعدن ) مثله الركاز إذا وجبت فيه الزكاة فلا يسقطها الدين ولا ما معه بل وكذلك إذا وجب فيه الخمس فلا يسقطه دين ولا فقد ولا أسر ( قوله بدين ) أي بسبب دين على أربابها سواء كان الدين عينا بأن استقرضه أو اشترى به في الذمة أو كان [ ص: 481 ] عرضا أو طعاما بأن كان سلما فيهما .

( قوله لحمله على الحياة ) يؤخذ من هذا أنه إذا فقد أو أسر وأخرجت زكاة ماشيته أو حرثه وهو مأسور أو مفقود فإنها تجزي ولا يضر عدم نيته لأن نية المخرج تقوم مقام نيته ( قوله وإن ساوى إلخ ) أي هذا إذا نقص الدين عما بيده من الحرث والماشية والمعدن بل وإن ساواه ، وكذا إذا زاد الدين على ما بيده فهو مفهوم موافقة واعلم أن صورة المساواة والزيادة فيهما الخلاف فرد المصنف بالمبالغة على المساواة على المخالف فيها ويعلم منه صورة الزيادة بطريق الأولى ولو بالغ على الزيادة لاقتضى أن المساواة متفق فيها على عدم السقوط مع أن فيها الخلاف كذا قيل وتأمل وجه الأولوية ( قوله ما بيده من ذلك ) أي من ذلك الحرث والمعدن والماشية ( قوله إلا زكاة فطر عن عبد ) استثناء منقطع قال المدونة ومن له عبد وعليه عبد مثله في صفته فلا يزكي الفطر عنه إن لم يكن له مال أبو الحسن قولها إن لم يكن له مال ظاهره ليس له مال يقابل به الدين وإن كان له ما يخرج منه زكاة الفطر عبد الحق وفيه نظر لأن العبد الذي في يده ليس كالعين المستحقة إنما عليه عبد في ذمته ولو هلك لطولب به فيجب أن يكون عليه زكاة الفطر إن قدر أن يزكيها وأما إن لم يكن عنده شيء فلا شيء عليه لأنه إن باعه أدى عنه زكاة الفطر من ثمنه فالدين أولى به وقد قال ابن القاسم الذي جنى عبده فمضى عليه يوم الفطر قبل أن يسلمه عليه زكاة فطره مع كون عين العبد كالمستحقة لكون الجناية متعلقة به لا بالذمة فإذا كان هذا العبد الذي كالمستحق عليه زكاة فطره فكيف هذا الذي هو غير مستحق ولو هلك لبقي الدين في ذمته ولعل ابن القاسم إنما أراد أنه ليس له مال يؤدي منه زكاة الفطر ا هـ فقد ناقض كلام المدونة إن حملت على ظاهرها بمسألة الجناية ويظهر من كلامه ومن كلام المدونة أن المسألة مخصوصة بما إذا كان في ذمته عبد مثله فأما إن كان في ذمته مثل قيمته فلا تسقط عنه زكاة فطره لما عللوه به فيما تقدم من أن العبد الذي في يده ليس كعين مستحقة وليس كذلك إذا كان عليه قيمته وقد تردد ابن عاشر في ذلك ا هـ بن ( قوله وعليه مثله ) أي عبد مثله أي سلما أو قرضا وقوله في مقابلته أي في مقابلة العبد

وحاصله أنه إذا كان عنده عبد وعليه دين عبد مماثل للعبد الذي عليه عنده من قرض أو سلم وليس عنده ما يجعله في مقابلة ذلك العبد سوى ذلك العبد الذي بيده وإن كان عنده ما يؤدي منه زكاة الفطر لو طولب بها فإنه لا تجب عليه زكاة فطر ذلك العبد الذي عنده وهذا مذهب المدونة وخالف عبد الحق فقال بوجوبها ( قوله بخلاف العين ) أي ويدخل فيها قيمة عروض التجارة فتسقط زكاتها بالدين مطلقا وبالفقد والأسر ( قوله فإن الدين ) أي سواء كان عينا أو عرضا أو ماشية وقوله يسقطها أي يسقط زكاة القدر المساوي له من العين وذلك لأن المدين ليس كامل الملك إذ هو بصدد الانتزاع منه كالعبد ، والمفقود والأسير مغلوبان على عدم التنمية فأشبه ما لهما الأموال الضائعة ولأجل كون أموالهما كالأموال الضائعة ينبغي أنه إذا زال المانع وهو الفقد والأسر أن يزكي لسنة واحدة كذا في خش وخالف عبق تبعا لعج فقال ظاهر المصنف أنه إذا حضر المفقود أو الأسير فلا يزكيها بعد زوال مانعه لسنة بل يستقبل حولا بعد حضوره وزوال المانع والفرق بينها وبين الضائعة ونحوها أن رب الضائعة عنده من التفريط ما ليس عند المفقود والمأسور قال بن : وكل هذا غير ظاهر بل ظاهر كلامهم كما أفاده طفى التزكية لكل عام وذكر أن معنى كون الفقد والأسر يسقطان الزكاة أنهما يسقطان وجوب إخراجها الآن لاحتمال موته فلا ينافي أنه إذا حضر يزكي لكل عام فالفقد والأسر ليسا مسقطين للزكاة بالمرة وإنما يوجبان التوقف عن إخراجها مخافة حدوث الموت ( قوله ولو دين زكاة ) أي سواء كان دين الزكاة المترتب في ذمته من حرث [ ص: 482 ] أو عين أو ماشية ( قوله ويعتبر عدده ) أي فلو كان بيده أحد وعشرون دينارا وعليه ديناران مؤجلان فإن الزكاة تسقط عنه وإن كانت قيمتهما دينارا واحدا .

( قوله لا قيمته ) مثله في المواق وهذا بخلاف دين له مؤجل على غيره فإنما يجعل ما عليه في قيمته كما يأتي وعلة ذلك فيهما كما لابن يونس أنه ولو مات أو فلس لحل الدين الذي عليه وبيع دينه المؤجل لغرمائه انظر المواق ( قوله أو كان كمهر ) هذا هو قول مالك وابن القاسم وهو المشهور وقال ابن حبيب تسقط الزكاة بكل دين إلا مهور النساء إذ ليس شأنهن القيام به إلا في موت أو فراق فلم يكن في القوة كغيره ا هـ عدوي ( قوله لزوجة ) أي مطلقة أو في العصمة وقوله ولو مؤجلا أي بأجل معلوم أو لموت أو فراق على مذهب الحنفي ( قوله أو نفقة زوجة ) أي متجمدة عليه لما مضى ( قوله أو ولد إن حكم ) انظر هل يقوم مقام الحكم ما إذا أنفق على الولد شخص غير متبرع وانظر هل حكم المحكم يقوم مقام حكم الحاكم في ذلك أم لا ا هـ شيخنا عدوي ( قوله فاندفع ما أورد ) أي ما أورده البساطي وأجاب باختيار الأول لكن المراد بالحكم الفرض أي إن فرضها وقدرها حاكم وفرضه ليس حكما حقيقة وأما ما ذكره الشارح من الجواب فهو للفيشي

وحاصله اختيار الشق الثاني لكن المراد أنه حكم بها غير المالكي كالحنفي الذي يرى عدم سقوط نفقة الأولاد بمضي الزمان وصوب بن وطفى ما قاله البساطي من أن المراد بالفرض التقدير فنفقة الأولاد الماضية تسقط بمضي الزمان ما لم يكن فرضها القاضي وقدرها وإلا كانت دينا عليه فتسقط بها زكاة العين فإذا كان عند الأب عشرون دينارا حال حولها وعليه نفقة شهر عشرة دراهم لولده قد فرضها عليه القاضي قبل الحول بشهر مثلا فلتجعل النفقة فيما بيده من النصاب فتسقط عنه زكاته ( قوله وإن حكم بالماضي فلا يلزمه إلخ ) أي فلا يصح الحكم لأنه لا يلزمه إلخ ( قوله وسواء تقدم للولد يسر ) أي وسواء حصل للولد يسر في أيام ترك النفقة عليه أم لا باتفاق من ابن القاسم وأشهب لأن الموضوع أنه حكم .

( قوله فقال ابن القاسم لا تسقط ) أي لا تسقط تلك النفقة الزكاة فتسقط بضم التاء من أسقط ( قوله إن تقدم ) أي إن حصل ( قوله أو يبقى إلخ ) أي بأن يقال قول ابن القاسم إذا لم يحكم حاكم بها فلا تسقط الزكاة عن الأب مطلقا سواء حصل للولد يسر أيام قطع النفقة عنه أم لا ويحمل قول أشهب بسقوطها عن الأب على إطلاقه أي حصل للولد يسر أم لا ( قوله تأويل الوفاق ) وهو لبعض القرويين وأما تأويل الخلاف فهو لعبد الحق ( قوله ويكون المذكور تأويل الخلاف ) أي لأن المصرح به حينئذ الإطلاق وهو تأويل الخلاف ( قوله بحكم ) المراد بالحكم هنا الفرض والتقدير أو حقيقته على ما مر ( قوله فإن لم يحكم بها ) أي سواء تسلف الولد أم لا وقوله لم تسقط عن الابن أي لم تسقط زكاة العين عن الابن وإنما شدد في نفقة الولد حيث جعلت دينا مسقطا لزكاة العين بمجرد الحكم بها دون نفقة الأبوين فإنها لا تكون دينا مسقطا إلا إذا انضم للحكم بها تسلف لأن الوالد يسامح ولده أكثر من مسامحة الولد لوالده لأن حب الوالد لولده موروث من آدم ولم يكن يعرف حب الولد لوالده




الخدمات العلمية