الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( لا بدين كفارة ) وجبت عليه ( أو هدي ) وجب عليه لنقص في حج أو عمرة فلا تسقط زكاة العين بها ثم استثنى من المقدر المتقدم قبل قوله لا بدين كفارة [ ص: 483 ] أو مما أفهمته المخالفة في قوله بخلاف العين قوله ( إلا أن يكون عنده ) أي المدين ( معشر ) أي ما يجب فيه العشر أو نصفه من حب أو تمر ( زكي ) وأولى إن لم تجب فيه زكاة ومثل المعشرات ماشية فلا تسقط الزكاة عنه لجعله ذلك فيما عليه من الدين ( أو معدن أو قيمة كتابة أو ) قيمة ( رقبة مدبر ) على أنه قن لا تدبير فيه كان التدبير سابقا على الدين أو متأخرا عنه ( أو ) قيمة ( خدمة معتق لأجل ) على غررها ( أو ) قيمة خدمة ( مخدم ) أخدمه له الغير سنين أو حياته ( أو ) قيمة ( رقبته ) وذلك ( لمن مرجعها له ) بأن أخدمه لزيد سنين معينة وبعدها يكون لعمرو ملكا [ ص: 484 ] فإن عمرا يجعل قيمته في نظير الدين ويزكي ما معه من العين ( أو ) يكون له ( عدد دين حل ) ورجي ( أو قيمة ) دين مؤجل ( مرجو أو ) يكون له ( عرض ) بشرطين أفاد الأول بقوله ( حل حوله ) أي العرض وظاهره أن غير العرض مما تقدم لا يشترط فيه حلول الحول وهو كذلك على ما حققه بعض المحققين خلافا لما في بعض الشراح والثاني بقوله ( إن بيع ) أي إن كان مما يباع على المفلس كثياب جمعة وكتب فقه لا ثياب جسده ودار سكناه التي لا فضل فيها ( وقوم ) ما ذكر أي اعتبرت قيمته ( وقت الوجوب ) أي وجوب الزكاة وهو آخر الحول وقوله ( على مفلس ) متعلق بقوله بيع فالأولى تقديمه ثم أخرج مالا يجعل في مقابلة الدين بقوله ( لا ) إن كان له ( آبق ) أو بعير شارد ونحو ذلك ( وإن رجي ) إذ لا يجوز بيعه بحال ( أو دين لم يرج ) لعسر المدين أو ظلمه فلا يجعله في دينه لأنه كالعدم .

التالي السابق


( قوله لا بدين كفارة أو هدي ) [ ص: 483 ] قال في التوضيح نقلا عن ابن راشد والفرق بينهما وبين دين الزكاة أن دين الزكاة تتوجه المطالبة به من الإمام العادل ويأخذها كرها من مانعي الزكاة بخلاف الكفارة والهدي فإنه لا يتوجه فيهما ذلك ا هـ وتعقب هذا الفرق أبو عبد الله بن عتاب من أكابر أصحاب ابن عرفة قائلا لا فرق بين دين الزكاة ودين الهدي والكفارة في مطالبة الإمام بهما ونقل ذلك عن اللخمي والمازري كما في المعيار قلت ونص اللخمي الذي يقتضيه المذهب أن الكفارات مما يجبر الإنسان على إخراجها ولا توكل لأمانته قال وهذا هو الأصل في الحقوق التي لله في الأموال فمن كان لا يؤدي زكاته أو وجبت عليه كفارات أو هدي وامتنع من أداء ذلك فإنه يجبر على إنفاذه وقال ابن المواز فيمن وجبت عليه كفارات فمات قبل إخراجها إنها تؤخذ من تركته إذا لم يفرط ا هـ بن .

والحاصل أن دين الكفارة والهدي في إسقاطه لزكاة العين كدين الزكاة وعدم إسقاطه لها طريقتان الأولى مختار ابن عتاب والثانية مختار المصنف وابن راشد ( قوله أو مما أفهمته المخالفة في قوله بخلاف العين ) فكأنه قال بخلاف العين فإنه تسقط زكاتها بكل دين مما ذكر إلا أن يكون عنده إلخ .

( قوله زكي ) أي وجبت فيه الزكاة لكونه نصابا كخمسة أوسق فأكثر وقوله إن لم تجب فيه زكاة أي لكونه أقل من خمسة أوسق ولا يشترط في المعشر والنعم غير المزكى ما اشترط في العرض وهو إقامة ذلك عنده حولا كما يأتي ( قوله أو معدن ) ليس المراد أن ذات المعدن تجعل في مقابلة الدين بل المراد أن ما أخرجه من المعدن يجعله في دينه ابن الحاجب اتفاقا ا هـ بن ( قوله أو قيمة كتابة ) أي فإذا كانت عليه أربعون دينارا دينا وبيده أربعون دينارا وقيمة الكتابة عشرون جعلها في مقابلة عشرين من الدين ويجعل العشرين الباقية من الدين في مقابلة عشرين مما بيده ويزكي عن العشرين الباقية فلو كانت قيمة الكتابة عشرة فلا زكاة عليه لأن الباقي في يده ليس في مقابلة الدين عشرة فقط وهي أقل من نصاب ثم ما ذكره المصنف من جعل قيمة الكتابة فيما عليه من الدين هو قول ابن القاسم وهو المشهور وقال أشهب يجعل في قيمة المكاتب على أنه مكاتب وقال أصبغ قيمة المكاتب على أنه عبد ا هـ ثم إنه على الأول إذا كانت الكتابة عروضا قومت بعين وإن كانت عينا قومت بعروض ثم قومت بعين فإن عجز المكاتب وفي رقبته فضل أي زيادة على الكتابة زكى من ماله مقدار ذلك الفضل بناء على مذهب ابن القاسم القائل بجعل قيمة الكتابة في الدين فإذا كان عليه أربعون دينارا وبيده أربعون وقيمة الكتابة عشرة فلا زكاة فيما بيده كما مر فلو عجز المكاتب والحال أن رقبته تساوي عشرين ففي رقبته فضل عن الكتاب وهي عشرة فإذا جعلت قيمة ذلك العبد في مقابلة الدين كان الباقي مما بيده عشرين فيزكيها فقد زكى الفضل بين الرقية والكتابة وهو عشرة ( قوله كان التدبير سابقا إلخ ) ما ذكره من جعل قيمة رقبة المدبر في الدين ظاهر فيما إذا كان التدبير حادثا بعد الدين لبطلان التدبير حينئذ وبيع العبد في الدين وأما لو كان التدبير سابقا على الدين فجعل قيمة رقبته في الدين مشكل إذ لا يجوز بيع المدبر حينئذ فيقال هذا مراعاة لمن يقول إن المدبر يجوز بيعه كالقن

واعلم أن جعل قيمة رقبة المدبر في الدين إذا كان الدين سابقا على التدبير لا خلاف فيه بخلاف ما إذا تقدم التدبير على الدين ففيه خلاف فقال ابن القاسم يجعل في رقبته أيضا وقال أشهب يجعل في خدمته قال في التوضيح وكأن ابن القاسم راعى قول من قال بجواز بيعه فتبين أن قول المصنف أو رقبة مدبر على إطلاقه اتفاقا في تأخير التدبير عن الدين وعلى المشهور في تقدمه عليه انظر بن ( قوله أخدمه له الغير سنين أو حياته ) هكذا في نص ابن المواز كما في التوضيح لكن قال اللخمي قوله يجعل الدين في قيمة الخدمة إذا كانت حياته ليس بحسن لأن ذلك مما لا يجوز بيعه بنقد ولا بغيره وأظنه قاس ذلك على المدبر وليس مثله لأن الجواز في المدبر [ ص: 484 ] مراعاة للخلاف في جواز بيعه في الحياة ولا خلاف أنه لا يجوز للمخدم أن يبيع تلك الخدمة حياته فكذلك لا يجوز أن يجعل فيه الدين لأن بيعه لا يجوز ا هـ بن .

والحاصل أن المخدم إن أخدمه صاحبه سنين فإن قيمة الخدمة تجعل في مقابلة الدين اتفاقا وإن أخدمه صاحبه حياته ففي جعل قيمة خدمته في الدين قولان لابن المواز واللخمي ( قوله فإن عمرا يجعل قيمته ) بأن يقال ما تساوي هذه الرقبة على أن يأخذها المبتاع بعد استيفاء الخدمة ولا يقال إن فيه بيع معين يتأخر قبضه لأنا نقول إن قبض المخدم ينزل منزلة قبض المشتري ا هـ عدوي ( قوله حل حوله ) أي مضى له حوله وهو عنده المراد بالحول السنة كما هو المأخوذ من كلامهم كما قال طفى وما في عبق عن الشيخ سالم من أن حول كل شيء بحسبه إلخ ففيه نظر وإنما يشترط هذا الشرط إذا مر على الدين حول على المدين وإلا فلا فالشرط مساواة الدين لما يجعل فيه زمانا كذا في بن عن ابن عاشر واشتراط مرور الحول على ما يجعل في الدين من العروض قول ابن القاسم وقال أشهب بعد اشتراطه بل تجعل قيمته في مقابلة الدين وإن لم يمر عليه حول عنده قال طفى وبنوا هذا الخلاف على أن ملك العرض في آخر الحول هل هو منشئ لملك العين التي بيده من الآن وحينئذ فلا زكاة عليه فيها لفقد الحول وهو قول ابن القاسم أو كاشف أنه كان مالكا لها وحينئذ فيزكي وهو قول أشهب وأنت خبير بأن هذا البناء يوجب عموم شرط الحول عند ابن القاسم في كل ما يجعل في مقابلة الدين من معشر ومعدن وغيرهما لكنهم لم يشترطوا مرور الحول إلا في العرض ولم يشترطوه في المعشر والمعدن وغيرهما كما في المواق انظر بن ( قوله وظاهره أن غير العرض مما تقدم ) أي وهو المعشر والمخرج من المعدن والكتابة ورقبة المدبر وخدمة المخدم ورقبته وخدمة المعتق لأجل ( قوله بعض المحققين ) أراد به العلامة طفى وأراد ببعض الشراح عبق تبعا لعج ( وكتب فقه ) أي ودار سكن فيها فضل ( قوله وقت الوجوب ) تنازعه بيع وقوم على الظاهر لأن العبرة في كونه يباع على المفلس أولا بوقت الوجوب ( قوله متعلق بقوله بيع ) أي والجملة قبله اعتراض بين بيع ومتعلقه .

( قوله لا آبق ) عطف على معشر أي إلا أن يكون عنده معشر لا إن كان عنده آبق ولو قال لا كآبق أي لا مثل كان أولى ليدخل البعير الشارد ( قوله إذ لا يجوز بيعه إلخ ) أي فلا يجعل ذلك في دينه بل تسقط زكاة ما معه من العين إذ لا يجوز إلخ ( قوله أو دين لم يرج ) أي سواء كان حالا أو مؤجلا ( قوله فلا يجعله في دينه ) أي لأجل أن يزكي ما معه من النقد بل تسقط زكاته




الخدمات العلمية