الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصحته ) أي شرط صحة الصوم ( مطلقا ) فرضا أو نفلا ( بنية ) أي نية الصوم ولو لم يلاحظ التقرب لله ( مبيتة ) بأن تقع في جزء من الليل من الغروب إلى الفجر ولا يضر ما حدث من أكل أو شرب أو جماع أو نوم بخلاف الإغماء والجنون فيبطلانها إن استمر للفجر وإلا فلا كما سيأتي ولما كان اشتراط التبييت مشعرا بعدم الصحة إذا قارنت الفجر كما قيل به دفعه بقوله ( أو مع الفجر ) إن أمكن [ ص: 521 ] فلا تكفي قبل الغروب ولا بعد الفجر ( وكفت نية ) واحدة ( لما ) أي لصوم ( يجب تتابعه ) كرمضان وكفارة قتل أو ظهار وكالنذر المتتابع كمن نذر صوم شهر معين بناء على أنه واجب التتابع كالعبادة الواحدة من حيث ارتباط بعضها ببعض وعدم جواز التفريق فكفت النية الواحدة ، وإن كانت لا تبطل ببطلان بعضها كالصلاة ( لا ) صوم ( مسرود ) أي متتابع من غير أن يجب التتابع شرعا كأيام اختار صيامها مسرودة ( ويوم معين ) ككل خميس ولو عينه بالنذر وكل خميس ولو عينه بالنذر وكل ما لا يجب تتابعه كقضاء رمضان وكفارة اليمين وفدية الأذى وصيام رمضان بسفر أو مرض كما يأتي فلا بد من تجديد النية لكل ليلة ( ورويت ) المدونة ( على الاكتفاء ) بنية واحدة ( فيهما ) أي في المسرود واليوم المعين بالنذر وهي ضعيفة بل قال الحطاب لم أقف على من رواها بالاكتفاء فيهما وأخرج من مقدر بعد قوله يجب تتابعه تقديره إن استمر أي التتابع .

قوله ( لا إن انقطع تتابعه ) أي وجوبه ( بكمرض أو سفر ) فلا تكفي النية الأولى ولو استمر صائما بل لا بد من التبييت كل ليلة ، وهو مفهوم قوله لما يجب تتابعه وأدخلت الكاف مفسد الصوم كحيض ونفاس وجنون وإغماء

التالي السابق


( قوله أي شرط صحة الصوم إلخ ) ما ذكره المصنف هنا من جعل النية شرطا أظهر مما ذكره في الصلاة من جعلها ركنا ; لأن النية القصد إلى الشيء ومعلوم أن القصد للشيء خارج عن ماهية الشيء ولأنها لو كانت ركنا لكان التلبس بها مشروعا فكانت تجب العبادة بمجرد النية فيما يتعين بالشروع وما تقدم للشارح أول الباب من أن النية ركن فهو تسمح وأشار الشارح بقوله ولو لم يلاحظ إلخ إلى أن الذي يشترط في صحة نية الصوم الفعل لا نية القربة وذلك بأن يقصد صوم غد جازما بذلك على أنه نفل أو قضاء أو عن النذر فإن جزم بالصوم ولم يدر بعد ذلك هل نوى التطوع أو النذر أو القضاء انعقد تطوعا ، وإن دار شكه بين الآخرين لم يجز عن واحد منهما ووجب إتمامه لانعقاده نفلا فيما يظهر انظر المج ( قوله من الغروب إلخ ) بيان لليل فلا تكفي قبل الغروب عند الكافة ولا بعد الفجر ; لأن النية هي القصد وقصد صوم الجزء الماضي من اليوم محال .

( قوله فيبطلانها إن استمرا للفجر ) فيه نظر بل الإغماء والجنون يبطلان النية السابقة عليهما مطلقا لكن إن لم يستمرا للفجر أعيدت قبله و إلا لم تصح وسيأتي ذلك ا هـ بن ( قوله أو مع الفجر ) المراد بوقوعها مصاحبة لطلوع الفجر وقوعها في الجزء الأخير من الليل الذي يعقبه طلوع الفجر وكفت النية المصاحبة للفجر ; لأن الأصل في النية المقارنة للمنوي والحاصل أنه لا يشترط في النية هنا المقارنة للفجر بل يجوز تقدمها عليه إذا أتى بها ليلا والمضر تأخيرها عنه بخلاف الصلاة والطهارة والحج فلا بد من المقارنة أو التقدم اليسير على ما مر واعلم أن ما ذكره المصنف من كفاية النية المقارنة للفجر هو قول عبد الوهاب وصوبه اللخمي وابن رشد ، وهو خلاف رواية ابن عبد الحكم أنها لا تجزئ ورد ابن عرفة الأول بما حاصله أن النية تتقدم على المنوي ; لأنها قصد إليه والقصد مقدم على المقصود وإلا كان غير منوي وأجيب بأن هذه الأمور جعلية وقد اكتفى الشارع بالمقارنة في الصلاة فإن تكبيرة الإحرام ركن منها والنية مقارنة لها مع صحة الصلاة بل كلام ابن بشير وابن الحاجب [ ص: 521 ] والقرافي يدل على أن المقارنة للفجر هي الأصل لكن للمشقة لم تشترط ا هـ بن وهذا يدل على جواز مقارنة النية للفجر وأولوية تقدمها عليه فقط وكلام المصنف لا يدل على ذلك ( قوله فلا تكفي قبل الغروب ولا بعد الفجر ) أي فإن أتى بها نهارا بعد الفجر فلا يجزئ ولو في عاشوراء على المشهور خلافا لما نقله المواق عن ابن يونس من إجزاء النية نهارا في عاشوراء فإنه ضعيف كما ذكره ابن عرفة وبن وعند الشافعي تصح نية النافلة قبل الزوال وعند أحمد تصح نية النافلة في النهار مطلقا لحديث { إني إذن صائم } بعد قوله عليه الصلاة والسلام { هل عندكم من غداء } وللشافعي أن الغداء ما يؤكل قبل الزوال وأجاب ابن عبد البر بأنه مضطرب ولنا عموم حديث أصحاب السنن الأربع { من لم يبيت الصيام فلا صيام له } والأصل تساوي الفرض والنفل في النية كالصلاة ( قوله يجب تتابعه ) صفة أو صلة لما وخرج بذلك ما يجوز تفريقه من الصوم كقضاء أيام من رمضان أفطر فيها لعذر وصيام رمضان في السفر وكفارة اليمين وفدية الأذى والقران والتمتع فلا تكفي فيه النية الواحدة بل لا بد من التبييت كل ليلة ( قوله بناء إلخ ) علة لقول المصنف وكفت نية إلخ وقال ابن عبد الحكم لا بد في الصوم الواجب المتتابع من النية لكل يوم نظرا إلى أنه كالعبادات المتعددة من حيث عدم فساد ما مضى منه بفساد ما بعده ( قوله ، وإن كانت لا تبطل إلخ ) أي ; لأنه عبادة لا يتوقف أولها على آخرها بخلاف الصلاة وقوله كالصلاة تشبيه في المنفي لا في النفي ( قوله لا مسرود ) عطف على ما من قوله لما يجب تتابعه واعترض بأن شرط العطف بلا أن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر فلا يقال جاء زيد لا رجل ولا جاء رجل لا زيد والمسرود معناه المتتابع ، وهو صادق بواجب التتابع وغير واجبه فقد صدق أحد متعاطفيها على الآخر وأجاب شارحنا بأن في كلام المصنف حذف الصفة أي لا مسرود غير واجب التتابع فصح العطف ( قوله كأيام اختار صيامها مسرودة ) أي كما إذا نوى صوم رجب مثلا فلا بد من التبييت كل ليلة ولا يكفي فيه النية الواحدة وكذا يقال فيما بعده من المعين ( قوله ويوم معين ) ظاهره سواء عينه بالنذر أو بالنية كما قال الشارح : وهو ما يفيده كلام ابن يونس كما في المواق خلافا لابن الحاجب من تقييده بالمنوي وأقره في التوضيح ا هـ بن ( قوله بسفر ) قيد في قوله وصيام رمضان ( قوله أي في المسرود واليوم المعين إلخ ) أي لمشابهة كل منهما لرمضان أما المسرود فلأنه بالتتابع يحصل له الشبه برمضان في مطلق التتابع وأما المنذور المعين فلوجوبه وتكرره وتعين زمانه أشبه رمضان فيما ذكر ( قوله ولو استمر صائما ) أي هذا إذا أفطر للمرض والسفر بل ولو استمر صائما وهذا هو المعتمد كما في العتبية خلافا لما في المبسوط من أن المريض أو المسافر إذا استمر صائما فإنه لا يحتاج لتجديد نية بقي من أفسد صومه عامدا فهل يحتاج لنية أو لا ينقطع تتابعه والظاهر الأول كما قال ح كما أن من بيت الفطر ولو ناسيا يحتاج إلى تجديدها لا إن أفطر نهارا ناسيا فلا ينقطع تتابعه ومن أفطر مكرها فحكمه عند اللخمي حكم من أفطر ناسيا وعند ابن يونس حكم من أفطر لمرض ا هـ عدوي ( قوله كحيض ونفاس إلخ ) أي فإذا حصل شيء من ذلك ثم زال فلا تكفي النية الأولى لما بقي بل لا بد من تجديدها نعم يكتفي بنية واحدة لجميع ما بقي




الخدمات العلمية