الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ووجب ) الحج ( باستطاعة ) لم يقل " واستطاعة " بالرفع عطفا على " حرية " لاقتضائه أنه يشترط في وقوعه فرضا الاستطاعة كما أنها تشترط في الوجوب وليس كذلك ; إذ لو تكلفه غير المستطيع وهو ضرورة فرضا فشرط وقوعه فرضا حرية وتكليف وعدم النفل وشرط وجوبه الأولان والاستطاعة . [ ص: 6 ] وفسر الاستطاعة بقوله ( بإمكان الوصول ) إمكانا عاديا ( بلا مشقة عظمت ) بأن خرجت عن المعتاد بالنسبة للشخص ( وأمن ) أي وبأمن ( على نفس ) من هلاك ، أو أسر ( و ) على ( مال ) من محارب وغاصب لا سارق ( إلا لأخذ ظالم ) كعشار ( ما قل ) بالنسبة للمأخوذ منه لكونه لا يجحف به ( لا ينكث ) صفة لظالم أي لا يعود للأخذ ثانيا فإن علم أنه ينكث ، أو جهل أمره سقط الحج باتفاق ابن رشد وغيره فقوله ( على الأظهر ) متعلق بقوله إلا لأخذ ظالم ما قل أي راجع لما أفهمه الاستثناء من عدم سقوط الحج كأنه قال إلا لأخذ ظالم ما قل فلا يسقط الحج على الأظهر لا إلى قيد عدم النكث لما علمت من سقوطه مع النكث اتفاقا ( ولو بلا زاد وراحلة لذي صنعة تقوم به ) لا تزري به وهذا راجع لقوله ولو بلا زاد ( وقدر على المشي ) تحقيقا أو ظنا ، راجع لقوله " وراحلة " ففي كلامه لف ونشر مرتب ( كأعمى بقائد ) ولو بأجرة ( و إلا ) بأن لم يمكن الوصول بلا زاد ولا راحلة . [ ص: 7 ] ولا وجد ما يقوم مقامهما ( اعتبر المعجوز عنه ) في جانب السقوط ( منهما ) أي من الزاد وما يقوم مقامه ومن الراحلة وما يقوم مقامها ، فأيهما عجز عنه لم يكن مستطيعا ، وإذا أمكن الوصول وجب الحج ( وإن ) كان إمكانه ( بثمن ولد زنا ) من أمة ( أو ) كان بثمن ( ما يباع على المفلس ) من ماشية وعقار وكتب علم ونحوها ( أو ) كان ( بافتقاره ) أي مع صيرورته فقيرا بعد الحج ( أو ترك ولده ) ومن تلزمه نفقته ( للصدقة ) عليهم من الناس ( إن لم يخش هلاكا ) أو شديد أذى وهو قيد في المسألتين قبله .

التالي السابق


( قوله : لوقع فرضا ) أي لأنه إذا وصل كان مستطيعا فما أحرم إلا بعد وجوبه قاله سند . ( قوله : الأولان ) أي الحرية والتكليف والاستطاعة فشروط - .

[ ص: 6 ] وجوبه فقط ثلاثة وشرط صحته واحد وشرط وقوعه فرضا ثلاثة وكلها معلومة من المصنف . ( قوله : وفسر الاستطاعة إلخ ) هذا يشير إلى أن الباء في قوله بإمكان الوصول للتصوير . ( قوله : إمكانا عاديا ) أي بأن يقدر على الوصول راكبا أو ماشيا لا طائرا ، أو بخطوة لأنه إمكان غير عادي فلا يجب على من قدر على الوصول بذلك لكن إن وقع أجزأ قطعا . ( قوله : بلا مشقة عظمت ) أي من غير مشقة عظيمة بأن لا يكون هناك مشقة أصلا ، أو يكون هناك مشقة غير عظيمة ; فمطلق المشقة لا يشترط عدمها ; لأن السفر لا يخلو عنها فإن كان في الوصول مشقة عظيمة لم يجب عليه والمشقة العظيمة هي الخارجة عن المعتاد بالنسبة للشخص وهي تختلف باختلاف الناس والأزمنة والأمكنة ، وفي ح التشنيع على من أطلق سقوط الحج عن أهل المغرب واعلم أنه يحرم إعانة غير المستطيع قبل سفره بما لا يكفيه ; لأن سفره معصية .

( تنبيه ) من غير المستطيع سلطان يخشى من سفره العدو ، أو اختلال الرعية ، أو ضررا عظيما يلحقه بعزله مثلا لا مجرد العزل فيما يظهر انظر ح . ( قوله : وأمن على نفس ، أو مال ) من عطف الخاص على العام . ( قوله : من هلاك ) أي سواء كان من عدو ، أو سباع . ( قوله : لا سارق ) أي فلا يشترط الأمن على المال منه لا يمكن دفعه والتحرز منه بالحراسة . ( قوله : إلا لأخذ ظالم ) هذا مستثنى من مفهوم قوله ومال أي فإن لم يأمن على المال سقط إلا لأخذ ظالم - لا ينكث - ما قل فإنه لا يسقط على ما استظهره ابن رشد من قولين حكاهما ابن الحاجب والآخر سقوطه بأخذ الظالم ما قل ولو لم ينكث والحاصل أن الظالم إن أخذ كثيرا - كان ينكث ، أو لا - ، أو أخذ قليلا - وكان ينكث - كان أخذه مسقطا للحج اتفاقا وأما إن أخذ قليلا وكان لا ينكث ففيه القولان اللذان قد علمتهما وقوله : إلا لأخذ ظالم ما قل ، ومن باب أولى أخذ أجرة لمن يدل على الطريق ودفعها واجب على الحجاج إن توقف سفرهم على دليل وتوزع الأجرة على الرءوس ولا يعتبر كثرة الأمتعة ولا قلتها وكذا يجب إعطاء الأجرة للجند إذا كان لا يمكن السير بدونهم بشروط ثلاثة أن يكون المأخوذ لا يجحف بهم وأن يذهب الجند ، أو خدمهم معهم ، وإلا كان أخذا على الجاه وأن لا يكون لهم شيء من بيت المال في مقابلة محافظتهم على الحجاج ، وإلا كانوا ظلمة ا هـ عدوي . ( قوله : ما قل بالنسبة للمأخوذ منه ) أي لو كان كثيرا في نفسه . ( قوله : أي لا يعود ) أي علم منه بحسب العادة أنه لا يعود . ( قوله : فإن علم أنه ينكث ) أي أو كان يأخذ كثيرا ، أو شك فيما يأخذه هل هو قليل ، أو كثير وظاهر الشارح سقوط الحج إذا كان ينكث ولو كان مجموع ما يأخذه لا يجحف به وهو كذلك ; لأن أخذ الظالم منه مرارا فيه حطة وإذلال . ( قوله : أو جهل أمره ) أي شك في كونه ينكث ، أو لا . ( قوله : لما علمت من سقوطه مع النكث اتفاقا ) أي وحينئذ فيكون اعتبار كونه لا ينكث متفقا عليه فلو جعل قوله : على الأظهر راجعا لقيد عدم النكث لاقتضى أن مقابل الأظهر يقول : إنه لا يسقط الحج بأخذ الظالم ما قل ولو نكث وهذا لم يقله أحد . ( قوله : ولو بلا زاد ) مبالغة في قوله ووجب باستطاعة أي ولو من غير زاد معه ومن غير راحلة ورد بلو على سحنون " ومن " على القائل باشتراط مصاحبة الزاد والراحلة له ولو كان له صنعة أو قدرة على المشي . ( قوله : وقدر على المشي ) ظاهره كاللخمي ولو كان المشي غير معتاد له واشترط القاضي عبد الوهاب والباجي اعتياده لا إن كان غير معتاد له ويزري به فلا يجب عليه الحج ولو قدر عليه تحقيقا قياسا على ازدراء الصنعة به . ( قوله : كأعمى بقائد ) أي قدر على المشي والحال أن له مالا يوصله ، وإلا فلا يجب عليه وقال اللخمي يجب عليه حيث قدر على المشي ولو كان يتكفف أي يسأل الناس الكفاف . ( قوله : ولو بأجرة ) أي وجدها ولا تجحف وقوله : كأعمى أي رجل لامرأة فإنه يسقط عنها ولو قدرت على المشي مع قائد بل يكره لها ذلك كما قرره شيخنا العدوي . ( قوله : وإلا اعتبر إلخ ) لو قال : - [ ص: 7 ] وإلا سقط كان أخصر وأوضح . قوله : ( ولا وجد ما يقوم مقامهما ) أي من الصنعة والقوة على المشي . ( قوله : فأيهما عجز عنه إلخ ) فإذا عجز عن الزاد وما يقوم مقامه من الصنعة سقط عنه الحج ولو وجد الراحلة ، أو كان له قدرة على المشي وكذا إذا عدم الراحلة وما يقوم مقامها من القدرة على المشي سقط عنه ولو وجد الزاد ، أو ما يقوم مقامه من الصنعة وأولى إذا عجز عن الزاد وما يقوم مقامه وعن الراحلة وما يقوم مقامها فقوله : اعتبر المعجوز عنه منهما أي انفرادا أو اجتماعا ، وإنما اعتبر في جانب السقوط المعجوز عنه منهما لأن ما كان وجوده شرطا في الوجوب كان فقده مانعا من الوجوب . ( قوله : وإن بثمن ولد زنا ) مرتبط بإمكان الوصول كما يشير لذلك حل الشارح قال ح ثمن ولد الزنا لا شبهة فيه ، وإثم ولد الزنا على أبويه وإنما نبه عليه لئلا يتوهم أن كونه ناشئا عن الزنا مانع من الحج بثمنه ولأن كلام ابن رشد يدل على أن المستحب عند مالك أن لا يحج به من يملك غيره وأصل المسألة في الموازية والعتبية وبه يرد قول البساطي لو ترك المصنف خشونة هذا اللفظ في مثل الحج كان أحسن .

( قوله : أو ما يباع على المفلس ) فيه أن ولد الزنا من جملة ما يباع على المفلس وحينئذ ففيه عطف العام على الخاص بأو وهو ممنوع إلا أن يقال المراد ، أو ما يباع على المفلس غير ولد الزنا وحينئذ فهو عطف مغاير على أن الدماميني أجاز عطف العام على الخاص وعكسه بأو خلافا لابن مالك ا هـ تقرير عدوي .

( قوله : أو كان بافتقاره ) أي أو كان إمكان الوصول مصاحبا أو ملتبسا بافتقاره أي بصيرورته في المستقبل فقيرا ، أو ترك ولده للصدقة فالباء للمصاحبة أو الملابسة وحاصله أنه يجب عليه الحج ولو لم يكن عنده وعند أهله وأولاده إلا مقدار ما يوصله فقط ولا يراعي ما يئول أمره وأمر أهله وأولاده إليه في المستقبل ; لأن ذلك أمره لله تعالى وهذا مبني على أن القول بأن الحج واجب على الفور وأما على القول بالتراخي فلا إشكال في تبدية نفقة الولد والأبوين على الحج ومثل نفقة الأولاد والأبوين نفقة الزوجة فتقدم على القول بالتراخي ويقدم عليها الحج على القول بالفورية ولو خشي التطليق عليه في غيبته فإذا كان عنده عشرة ريالات إذا تركها للزوجة لا يقدر على الحج ، وإن حج بها طلقت عليه الزوجة لعدم النفقة فإنه يحج بها على القول بالفور ما لم يخش على نفسه عند مفارقتها الزنا بها أو بغيرها . ( قوله : قيد في المسألتين ) أي وهما قوله : أو بافتقاره ، أو ترك ولده للصدقة وحينئذ فالمعنى إن لم يخش هلاكا ، أو شديد أذى على نفسه أو على من تلزمه نفقته من أولاده وأبويه .

إن قيل لم قيدوا هنا بأن لا يخشى هلاكا عليهم وقالوا في الفلس يؤخذ ماله ولا يترك له ولا لأولاده إلا ما يعيشون به الأيام ، وإن خشي عليهم الضيعة والهلاك .

قلت : إن المال في الفلس مال الغرماء والغرماء لا يلزمهم من نفقة أولاده إلا المواساة كبقية المسلمين ، وفي الحج المال ماله وهو يلزمه نفقة أولاده من ماله واعلم أنه لا يلزم الشخص التكسب وجمع المال لأجل أن يحصل ما يحج به ولا أن يجمع ما فضل من كسبه مثلا كل يوم حتى يصير مستطيعا بل له أن يتصدق به والمعتبر الاستطاعة الحالية ا هـ شيخنا عدوي .




الخدمات العلمية