الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ثم مثل للمنهي عنه بقوله ( كحيوان ) مباح الأكل يباع ( بلحم جنسه ) ; لأنه معلوم بمجهول وهو مزابنة ( إن لم يطبخ ) ، فإن طبخ ، ولو بغير أبزار جاز لبعد الطبخ عن الحيوان وشمل قوله كحيوان ما فيه منفعة كثيرة ويراد للقنية وما لا تطول حياته أو لا منفعة فيه إلا اللحم [ ص: 55 ] أو قلت فهذه أربع صور ومفهوم بلحم جنسه جوازه بلحم غير جنسه مطلقا في الصورة الأولى وبشرط المناجزة في الثلاثة بعدها ; لأن ما لا تطول حياته وما بعده طعام حكما ( أو ) كحيوان مطلقا بأقسامه الأربعة ( بما ) أي بحيوان ( لا تطول حياته ) كطير ماء ( أو ) بحيوان ( لا منفعة فيه إلا اللحم ) كخصي معز ( أو قلت ) منفعة كخصي ضأن فهذه اثنتا عشرة صورة من ضرب أربعة في ثلاثة إلا أنه يتكرر منها ثلاثة ; لأن الأربعة فيما لا تطول حياته بأربعة وإذا ضربتها فيما بعده تكررت واحدة وهي ما لا تطول حياته بما لا منفعة فيه إلا اللحم ، وإذا ضربتها في الأخيرة تكرر اثنان وهما ما لا منفعة فيه إلا اللحم أو ما لا تطول حياته بما قلت فالباقي تسعة تضم إلى الأربعة المتقدمة وهي بيع الحيوان مطلقا باللحم بثلاثة عشر وبقي بيع اللحم باللحم فيجوز على تفصيله المتقدم وبيع حيوان يراد للقنية بمثله فجائز قطعا فالصور خمسة عشر ، وإنما منع بما لا تطول حياته وما بعده ; لأن الثلاثة طعام حكما وإذا كانت كذلك ( فلا يجوز إن ) أي ما لا تطول حياته وما بعده فلذا ثنى الضمير ، ولو قال فلا تجوز أي الثلاثة ( بطعام لأجل ) ; لأنه طعام بطعام نسيئة كان أحسن وقوله ( كخصي ضأن ) مثال لما قلت منفعته كما مر إذ منفعته وهي الصوف يسيرة ، فإن كان يقتنى لصوفه جاز ( وكبيع الغرر ) ، فإنه فاسد للنهي عنه ( كبيعها بقيمتها ) التي ستظهر في السوق أو التي يقولها أهل الخبرة للجهل بالعوض

التالي السابق


( قوله : كحيوان ) أي حي ، وإنما قيد بقوله مباح الأكل لأجل صحة التعليل بعد ذلك بالمزابنة إذ بيع الخيل ونحوها باللحم جائز لعدم المزابنة وسواء كان البيع نقدا أو لأجل ( قوله : لأنه معلوم ) أي وهو اللحم ، وقوله : بمجهول أي وهو الحيوان ( قوله : ولو بغير أبزار ) أي كما أفاده الأقفهسي وهو المعول عليه فنقل اللحم عن الحيوان يكون بأدنى ناقل بخلاف نقل اللحم عن اللحم ، فإنه لا يكفي فيه مجرد الطبخ خلافا لمن قال : إن اللحم لا ينتقل عن الحيوان إلا بالطبخ [ ص: 55 ] بأبزار ( قوله : ما فيه منفعة كثيرة ) أي كالبقر والإبل وإناث الضأن وفحولها ، وكذا إناث المعز وفحولها ( قوله : وما لا تطول حياته ) أي كطير ماء ( قوله : أو لا منفعة فيه إلا اللحم ) أي كخصي المعز ( قوله : أو قلت ) أي منفعته كخصي ضأن إذ منفعته وهي الصوف يسيرة ( قوله : فهذه أربع صور ) أي كلها ممنوعة ( قوله : جوازه ) أي الحيوان بلحم غير جنسه بأن بيع الحيوان الحي بلحم طير أو بلحم سمك ( قوله : مطلقا ) أي سواء كان مناجزة أو لأجل والمراد بالصورة الأولى ما إذا كان الحيوان المبيع بلحم من غير جنسه منفعته كثيرة ويراد للقنية .

( قوله : وبشرط المناجزة في الثلاثة بعدها ) أي ما إذا كان الحيوان الذي بيع بلحم من غير جنسه لا تطول حياته أو لا منفعة فيه إلا اللحم أو كانت منفعته قليلة ( قوله : طعام حكما ) أي وبيع الطعام بالطعام تجب فيه المناجزة ، ولو كانا جنسين ( قوله : وكحيوان مطلقا ) أي سواء كان كثير المنفعة أو لا تطول حياته أو لا منفعة له إلا اللحم أو قلت منفعته ( قوله : وإذا ضربتها ) أي الأربعة وقوله : فيما بعده وهو ما لا منفعة فيه إلا اللحم ( قوله : في الأخير ) أي وهو ما قلت منفعته ( قوله : بما قلت ) أي إذا بيع كل منهما بما قلت منفعته ( قوله : تضم إلخ ) والحاصل أن المصنف شمل كلامه ست عشرة صورة كلها ممنوعة وهي بيع الحيوان بأقسامه الأربعة بلحم جنسه وبيع الحيوان بأقسامه الأربعة بما لا تطول حياته وبيع الحيوان بأقسامه الأربعة بما لا منفعة فيه إلا اللحم ، وبيع الحيوان بأقسامه الأربعة بما قلت منفعته فهذه ست عشرة صور المكرر منها ثلاث يبقى ثلاث عشرة صورة ( قوله : على تفصيله المتقدم ) أي فإن كان اللحمان من جنس واحد وجبت المناجزة ، والمماثلة في الوزن والجفاف أو الرطوبة ، وإن كانا من جنسين جازت المفاضلة ووجبت المناجزة ( قوله : وإنما منع ) أي بيع الحيوان بأقسامه الأربعة ( قولان لأن الثلاثة طعام حكما ) أي فإذا بيعت بما فيه منفعة كثيرة كان من بيع الحيوان بلحم جنسه وإذا بيعت بمثلها كان من بيع الطعام بالطعام المشكوك في تماثله ( قوله : فلذا ثنى ) أي فلأجل اعتبار أن ما لا تطول حياته قسم وما بعده قسم ثنى الضمير إلخ ( قوله : فلا تجوز ) أي الثلاثة بطعام لأجل أي ولا يؤخذ منها كراء أرض ولا تؤخذ قضاء عن دراهم أكريت بها الأرض ولا يؤخذ قضاء عن ثمنها طعام بخلاف الحيوان الذي يراد للقنية لكثرة منفعته ، فإنه يجوز بيعه بطعام ، ولو لأجل ويجوز كراء الأرض به وأخذه قضاء عما أكريت به الأرض وأخذ الطعام قضاء عن ثمنه وذلك لأنه لما كان مقتنى لمنافع غير الأكل صار ليس طعاما لا حقيقة ولا حكما ، واعلم أنه كما لا يجوز بيع ما ذكر من الحيوانات الثلاثة بطعام نسيئة لا يجوز أن يباع اللحم بطعام نسيئة ولا الاقتضاء عن ثمن الطعام طعاما فلا يجوز بيع شاة للجزار بدراهم ثم يأخذ بدل الدراهم لحما أو قمحا لإلغاء الدراهم المتوسطة بين العقد والقبض فكأنه باعها أولا بطعام .

( قوله : فإن كان ) أي خصي الضأن يقتنى لصوفه وقوله : جاز أي جاز بيعه بالطعام لأجل ; لأن اقتناءه لأجل صوفه نزله منزلة ذي المنفعة الكثيرة ، ومثله خصي المعز إذا كان يقتنى لشعره كما يفيده المغني ونص عليه في التبصرة ( قوله : وكبيع الغرر ) أي البيع الملابس للغرر لا إن الغرر مبيع والغرر التردد بين أمرين أحدهما على الغرض والثاني على خلافه ( قوله : للجهل بالعوض ) أي حين العقد ، وإن كان يعلم بعد ذلك




الخدمات العلمية