الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ] ( وككالئ ) أي دين من الكلاءة بكسر الكاف وهي الحفظ أي بيع دين ( بمثله ) وهو ثلاثة أقسام : فسخ الدين في الدين وبيع الدين بالدين وابتداء الدين بالدين وبدأ المصنف بالأول ; لأنه أشدها لكونه ربا الجاهلية بقوله ( فسخ ما في الذمة ) أي ذمة المدين ( في مؤخر ) قبضه عن وقت الفسخ حل الدين [ ص: 62 ] أم لا إن كان المؤخر من غير جنسه أو من جنسه بأكثر منه ( ولو ) كان المفسوخ فيه ( معينا يتأخر قبضه كغائب ) عقارا أو غيره بيع العقار مذارعة أو جزافا ( و ) أمة ( مواضعة ) في حال مواضعتها فسخها المشتري في دين عليه أو أن المراد شأنها أن تتواضع فلا يجوز لمن عليه دين أن يدفع له فيه أمة عنده رائعة أو أقر بوطئها ( أو ) كان المفسوخ فيه ( منافع عين ) أي ذاتا معينة كركوب دابة وخدمة عبد معينين فلا يجوز ; لأن المنافع وإن كانت معينة في الدابة والعبد مثلا فهي كالدين لتأخر أجزائها ، وقال أشهب : يجوز ; لأنها إذا أسندت لمعين أشبهت المعينات المقبوضة وصحح لكن الراجح الأول ، وأما المنافع المضمونة كركوب دابة غير معينة وسكنى دار كذلك فلا خلاف بين ابن القاسم وأشهب في منعها

التالي السابق


( قوله : من الكلاءة بكسر الكاف وهي الحفظ ) استشكل ذلك بأن الدين مكلوء لا كالئ والكالئ إنما هو صاحبه فهو الذي يحفظ المدين وأجيب بأنه مجاز في إسناد معنى الفعل للملابسة فحق الكلاءة وهي الحفظ أن تسند للشخص بأن يقال وكدين كالئ صاحبه فأسندت للدين للملابسة التي بين الدين وصاحبه أو أن كالئ بمعنى مكلوء فهو مجاز مرسل من إطلاق اسم الفاعل وإرادة اسم المفعول لعلاقة اللزوم ; لأنه يلزم من الحافظ المحفوظ وعكسه .

( قوله : وهو ) أي بيع الدين بالدين ثلاثة أقسام فيه أن من جملتها بيع الدين بالدين فيلزم تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره وهو باطل وأجيب بأن بيع الدين بالدين يشمل الأقسام الثلاثة لغة التي هي فسخ ما في الذمة في مؤخر وبيع الدين بالدين وتأخر رأس مال السلم فكل واحد منها يقال له بيع الدين بالدين لغة إلا أن الفقهاء سموا كل واحد منها باسم يخصه ( قوله : لكونه ربا الجاهلية ) أي فتحريمه بالكتاب بخلاف الأخيرين فتحريمهما بالسنة ( قوله : فسخ ما في الذمة ) هو بالجر بدل وعطف بيان أو بالنصب مفعول لمحذوف أو بالرفع خبر لمحذوف ( قوله : في مؤخر ) أي في شيء يتأخر قبضه ( قوله : حل الدين ) أي المفسوخ [ ص: 62 ] قوله : إن كان المؤخر ) أي الذي فسخ فيه ( قوله : من غير جنسه ) أي من غير جنس الدين كما لو كان الدين عينا ففسخه في طعام يتأخر قبضه أو بالعكس أو كان الدين دراهم ففسخها في دنانير يتأخر قبضها ( قوله : أو من جنسه بأكثر منه ) أي من الدين كما لو كان الدين عشرة دنانير ففسخها في خمسة عشر يتأخر قبضها ، وأما تأخير الدين أجلا ثانيا من غير زيادة أو مع حطيطة بعضه فهو جائز ، ولو كان الدين طعاما من بيع أو كان نقدا من بيع أو من قرض خلافا لعبق إذ ليس هذا من فسخ الدين في الدين بل هو سلف أو مع حطيطة ولا يدخل في قول المصنف فسخ ما في الذمة ; لأن تأخير ما في الذمة أو بعضه ليس فسخا ; لأن حقيقة الفسخ الانتقال عما في الذمة إلى غيره كما قاله عج ثم إن قول المصنف : فسخ ما في الذمة أي ولو اتهاما فدخل فيه حينئذ ما إذا أخذ منه في الدين شيئا ثم رده إليه بشيء مؤخر من غير جنس الدين أو من جنسه وهو أكثر منه ; لأن ما خرج من اليد وعاد إليها يعد لغوا ودخل أيضا ما لو قضاك دينك ثم رددته له سلما وهاتان الصورتان يقعان بمصر كثيرا للتحيل على التأخير بزيادة ( قوله : ولو كان المفسوخ إلخ ) أي هذا إذا كان المفسوخ فيه مضمونا في الذمة بل ، ولو كان المفسوخ فيه معينا ( قوله : يتأخر قبضه ) أي يتأخر ضمانه ، وإن حصل قبض ذلك المعين بالفعل كما في الأمة التي شأنها أن تتواضع أو المراد يتأخر قبضه حسا أو شرعا فالأول كالغائب والثاني كالأمة المتواضعة إذ لا يقبضها شرعا بحيث تدخل في ضمانه إلا برؤية الدم ( قوله : كغائب ) أي سواء كان أخذه لذلك الغائب في الدين على وصف أو رؤية سابقة ( قوله : أو غيره ) أي كعرض ; لأنه لا يدخل في ضمانه إلا بالقبض مع بقاء الصفة المعينة حين الفسخ ( قوله : بيع العقار مذارعة ) كما لو طلبت الدين من المدين عند حلول الأجل فأعطاك دارا غائبة كل ذراع بكذا وقوله : أو جزافا أي كما لو طلبت الدين من المدين بعد حلوله فأعطاك دارا غائبة في الدين جزافا ، فإن قلت العقار المبيع جزافا يدخل في ضمان المشتري بالعقد فليس فيه بيع معين يتأخر قبضه قلت هو وإن كان مقبوضا شرعا لكن قبضه متأخر حسا ومتى تأخر القبض شرعا أو حسا فالمنع ولا يحصل الخلاص منه إلا بالقبضين كما يفيده ابن يونس واللخمي وما ذكره من المنع في الجزاف كالمذارعة هو تأويل ابن يونس واللخمي وابن محرز وهو المعتمد كما في شب خلافا لما في خش من الجواز في الجزاف تبعا للشيخ سالم والشارح بهرام وهو تأويل فضل وابن أبي زمنين وعليه اقتصر المصنف في التوضيح تبعا لابن عبد السلام ( قوله : أو أقر بوطئها ) أي سواء كانت رائعة أو وخشا ( قوله : أو منافع عين ) عطف على قوله معينا يتأخر قبضه فهو داخل في حيز المبالغة أي هذا إذا كان المفسوخ فيه منافع مضمونة بل ، ولو كان منافع عين أي ذات معينة ورد بلو على أشهب القائل : إن فسخ ما في الذمة في منافع الذات المعينة غير ممنوع بل هو جائز ومثل الفسخ في منافع الذات المعينة في عدم الجواز الفسخ في ثمار يتأخر جذها أو سلعة فيها خيار أو رقيق فيه عهدة ثلاث أو ما فيه حق توفية بكيل أو وزن أو عدد .

( قوله : كركوب دابة ) أي كأن يفسخ ما عليه من الدين في ركوب دابة معينة جمعة أو خدمة عبد معين شهرا أو سكنى دار معينة سنة ( قوله : لتأخر أجزائها ) أي فقبض الأوائل ليس قبضا للأواخر عند ابن القاسم وعند أشهب إن قبض الأوائل قبض للأواخر ( قوله : وصحح ) قد كان عج يعمل به فكانت له حانوت ساكن فيها مجلد يجلد الكتب فكان إذا ترتب له أجرة في ذمته يستأجره بها على تسفير كتب ، وكان يقول : هذا قول أشهب وصححه المتأخرون وأفتى به ابن رشد




الخدمات العلمية