الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما ذكر الصلح المعجل ذكر ما إذا كان بمؤخر ولا يكون إلا عن إقرار فقال ( وإن صالح ) من له حق ( بمؤخر ) من جنسه أو غيره ( عن مستهلك ) من عرض أو حيوان أو طعام ( لم يجز ) ; لأنه فسخ دين في دين إذ باستهلاك الشيء لزمت قيمته المستهلك فأخذ عنها مؤخرا ومعلوم أن فسخ الدين في الدين إنما يمتنع في غير جنسه أو في جنسه بأكثر فإن سلم من ذلك جاز كما أفاده بالاستثناء في قوله ( إلا ) أن يصالحه ( بدراهم ) مؤخرة وهي ( كقيمته فأقل ) فيجوز إذ حاصله أنه أنظره بالقيمة وهو حسن اقتضاء ( أو ) على ( ذهب كذلك ) أي قدر قيمة المستهلك فأقل مؤخرا ولو قال إلا بنقد كقيمته فأقل لكان أخصر فإن كان أكثر من قيمته منع [ ص: 324 ] لأنه سلف جر نفعا ولو كان بدراهم أو بذهب حالين لجاز من غير اعتبار قوله كقيمته إلخ وأشار لشرط الجواز في المسألتين بقوله ( وهو ) أي المستهلك لا قيمته ( مما يباع به ) أي بما صولح به من دراهم أو دنانير احترازا عما لو كان المستهلك ذهبا فصالح بفضة أو عكسه فيمنع التأخير للصرف المؤخر وعما لو كان المستهلك طعاما مكيلا فلزمه مثله فيمنع أن يأخذ عنه شيئا مؤخرا ; لأنه فسخ دين في دين بخلاف مثلي من طعام أو غيره مجهول القدر فتلزم فيه القيمة فهو داخل في كلامه ( كعبد آبق ) تشبيه تام فيما قبله لا تمثيل ; لأنه ليس مستهلكا ومعناه أن من غصب عبدا فأبق من الغاصب فإنه يلزمه قيمته لربه ولا يجوز له أن يصالح عنها بعرض مؤخر ولا بعين أكثر منها مؤخرة بخلاف قدرها فأقل فيجوز وليس هذا من باب بيع الآبق ; لأن الغاصب يضمن القيمة بالاستيلاء على المغصوب كما يضمن المستأجر والمستعير ونحوهما بتفريطه حتى أبق أو تلف

التالي السابق


. ( قوله : ولا يكون إلا عن إقرار ) أي لما مر أن الصلح عن إنكار إنما يجوز بمعجل لا بمؤجل لما فيه من سلف جر نفعا لأن التأخير سلف والنفع سقوط اليمين المنقلبة عنه .

( قوله وإن صالح إلخ ) يعني من استهلك لرجل شيئا من العروض أو الطعام أو الحيوان فصالحه على شيء مؤخر لم يجز .

( قوله : من له حق ) أي وهو صاحب الشيء المستهلك فإن له حقا عند المستهلك وهو قيمة شيئه .

( قوله : من عرض أو حيوان أو طعام ) تبع في ذكر الطعام تت والشيخ سالم قال طفى وفيه نظر لأن المسألة مفروضة في المدونة وغيرها في المقومات ولأن الطعام مثلي يترتب على استهلاكه مثله وأخذ العين عنه مؤجلة فيه فسخ الدين في الدين .

وأجاب عج بأنه محمول على ما إذا كان الطعام جزافا ولا شك أنه مقوم فإذا استهلك شخص صبرة من القمح جزافا لزمه قيمتها ولا يجوز أن يصالح عنها بمؤجل إلا إذا كان المؤجل عينا وكانت قدر القيمة فأقل .

( قوله : لزمت قيمته المستهلك ) أي حالة .

( قوله : أو في جنسه بأكثر ) أي وأما في جنسه بمساو فهو نفسه ولا فسخ أصلا ( قوله فإن سلم ) أي الصلح من ذلك أي من فسخ الدين في الدين .

( قوله : أنظره بالقيمة ) أي أو حط منها وأنظره بباقيها وهو حسن اقتضاء وليس من فسخ الدين الممنوع .

( قوله : فيجوز ) أي لأن [ ص: 324 ] محصله أنه أنظره بالقيمة أو حط منها وأنظره بباقيها .

( قوله : لأنه سلف جر نفعا ) أي فالسلف تأخير صاحب المستهلك للمصالح والمنفعة الزيادة عن القيمة وفيه أيضا فسخ دين في دين لأنه فسخ القيمة الأقل الحالة فيما هو أكثر منها لأجل .

( قوله : من غير اعتبار قوله كقيمته ) أي أنه يجوز مطلقا سواء كانت تلك العين قدر القيمة أو أقل أو أكثر .

( قوله : وهو مما يباع به ) أي أن ما تقدم من جواز الصلح عن قيمة المستهلك بالدراهم المؤخرة والذهب إذا كانا قدر القيمة فأقل محله إذا كان المستهلك مما يباع بما وقع به الصلح من الذهب والفضة وإلا منع .

( قوله : احترازا عما لو كان المستهلك ذهبا إلخ ) تبع في ذلك تت قال طفى وفيه نظر إذ هو إحالة أي تغيير لفرض المسألة لأنها في المقومات كما علمت والصواب أن يقال احترز به عما لو كان المستهلك يباع بالورق وأخذ ذهبا مؤخرا أو عكسه كما في المدونة وإن أراد بالذهب الحلي الذي هو مقوم فلا يصح قوله فيمنع التأخير للصرف المؤخر بل يجوز بدراهم مؤخرة ففيها في كتاب الغصب ومن غصب لرجل سوارين من ذهب فاستهلكهما فعليه قيمتهما من الدراهم وعليه أن يؤخره بتلك القيمة ا هـ بن .

( قوله : وعما لو كان المستهلك طعاما ) في جعل هذا محترزا لقوله وهو مما يباع به نظر لأن الطعام المكيل يجوز بيعه بالنقد والعرض حالا ولأجل .

( قوله : فهو داخل في كلامه ) أي فمن استهلك صبرة طعام جزافا لزمه قيمته ولا يجوز أن يصالح عنها بمؤخر إلا بعين قدرها فأقل وهذا لا ينافي جواز الصلح عنها بطعام من غير الجنس أو بعرض نقدا وأما الصلح عنها بطعام من جنسه فلا يجوز جزافا وأما على كيل لا يشك في أنه أقل من كيل الصبرة الجزاف فلا بأس به لأن صاحب الجزاف أخذ بعض حقه وسامح المستهلك بالكسر من الباقي انظر بن .

( قوله : تشبيه تام ) أي في المنع والجواز .

( قوله : أن يصالح عنها بعرض ) أي لأنه فسخ دين في دين .

( قوله ولا بعين أكثر إلخ ) أي لأنه سلف جر نفعا وفسخ دين في دين .

( قوله : فيجوز ) أي لأن محصله أنه أنظره بالقيمة أو حط منها وأنظره بالباقي وهو حسن اقتضاء .

( قوله وليس هذا من باب بيع الآبق ) أي لأن المصالح عنه قيمة العبد لا نفس العبد حتى يكون بيعا له لأن الصلح على غير المدعى بيع فإن قلت جعل المصالح عنه قيمة العبد ظاهر إذا كان الصلح بأقل منها لا إن كان بقدرها قلت لما كان قدرها مؤجلا والأجل له حصة صار كأنه صلح على بعض الحق .

( قوله : بالاستيلاء ) أي بمجرد الاستيلاء على المغصوب سواء استمر باقيا عنده أو أبق منه .

( قوله : كما يضمن المستأجر والمستعير ونحوهما ) أي كالمودع أي كما يضمن من ذكر القيمة حالا بتفريطه حتى أبق أو تلف ولا يجوز أن يصالح عنها بمؤجل إلا إذا كان ذلك المؤجل عينا قدر القيمة أو أقل وكان ذلك المصالح عن قيمته مما يجوز بيعه بالعين المصالح بها




الخدمات العلمية