الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما ذكر المزارعة الصحيحة وشروطها وعلم أن الفاسدة ما اختل منها شرط شرع في بيان حكمها بقوله ( وإن فسدت ) وعثر على ذلك قبل العمل فسخت ، وإن عملا ( وتكافآ عملا ) أي وجد عمل منهما سواء تساويا فيه أم لا وأخرج أحدهما الأرض والآخر البذر ( فبينهما ) الزرع بشرط أن ينضم لعمل يد كل منهما غيره من بذر أو أرض أو عمل بقر أو بعض ذلك فإذا لم يكن لأحدهما إلا مجرد عمل يد فلا شيء له وإنما له أجر مثله في عمله ( وترادا غيره ) أي العمل من كراء وبذر فعلى صاحب الأرض لصاحب البذر نصف مكيلته وعلى صاحب البذر نصف كراء الأرض وفسادها ظاهر لمقابلة الأرض بالبذر ( وإلا ) يعملا معا بل انفرد أحدهما بعمل يده ولا يدخل في كلامه ما إذا عملا معا ولم يتكافآ ، وإن كان ظاهر كلامه الشمول لما مر ( فللعامل ) الزرع كله ( وعليه ) للآخر ( الأجرة ) أي أجرة الأرض أو البقر المنفرد بها الآخر .

فإن كانت من عند العامل فإنما عليه له البذر سواء ( كان له ) أي للعامل المنفرد بالعمل ( بذر مع عمل ) أي عمله المذكور والأرض للآخر وفسادها لمقابلة الأرض بجزء من البذر ( أو ) كان له ( أرض ) مع عمله والبذر للآخر ( أو ) كان ( كل ) من الأرض والبذر ( لكل ) منهما والعمل من أحدهما فالزرع لصاحب العمل واعترض قول المصنف ، وإن فسدت إلخ بأنه لا يوافق قولا من الأقوال الستة في هذه المسألة إذا فاتت الفاسدة بالعمل الأول أن الزرع لصاحب البذر وعليه لأصحابه كراء ما أخرجوه الثاني الزرع لصاحب عمل اليد الثالث أنه لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة أشياء أرض وبقر وعمل يد الرابع لمن اجتمع له شيئان من أربعة أرض وبقر وعمل يد وبذر الخامس أنه للباذر إن كان فسادها [ ص: 377 ] للمخابرة أي كراء الأرض بما يخرج منها ، فإن كان لغيرها فهو للثلاثة على ما شرطوا والسادس وهو الراجح ; لأنه مذهب ابن القاسم واختاره محمد الزرع لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة بذر وأرض وعمل يد ، فإن كانوا ثلاثة واجتمع لكل واحد شيئان أو انفرد كل واحد منهم بشيء منها فالزرع بينهم أثلاثا ، وإن اجتمع لأحدهم شيئان دون صاحبيه فالزرع له دونهما أو اجتمع شيئان لشخصين منهم فالزرع لهما دون الثالث فصور قول ابن القاسم أربع أي فيما إذا كان الشركاء ثلاثة ويجاب عن الاعتراض بحمله على كلام ابن القاسم وهو ظاهر مما قررناه

التالي السابق


( قوله أي وجد عمل إلخ ) أشار بهذا إلى أن المراد بتكافئهما في العمل تماثلهما في صدور العمل منهما لا تساويهما فيه ( قوله فبينهما ) أي على قدر عملهما ( قوله فإذا لم يكن لأحدهما إلا مجرد عمل يد ) أي والفرض أنها فاسدة بأن عقدا بلفظ الإجارة أو الإطلاق .

( قوله فعلى صاحب الأرض ) أي فيما إذا كانت الأرض من عند أحدهما والبذر من الآخر وحصل العمل منهما ( قوله لما مر ) أي من أن المراد بتكافئهما في العمل تماثلهما في صدوره منهما لا تساويهما فيه ( قوله فللعامل الزرع ) أي إذا انضم لعمله شيء مما سيذكره بقوله كان له إلخ فهو كالتقييد لإطلاقه هنا وإلا كان له أجر مثله ( قوله المنفرد بها الآخر ) بأن كانت الأرض فقط لأحدهما وللآخر البذر والبقر والعمل أو كان البقر من عند أحدهما فقط وللآخر الأرض والبذر والعمل ( قوله ، فإن كانت من عند العامل ) أي فإن كانت الأمور المذكورة وهي الأرض والبقر من عند العامل بأن كان البذر فقط من عند أحدهما وللآخر الأرض والبقر والعمل ( قوله فإنما عليه ) أي على العامل وقوله له أي للشريك المخرج للبذر ( قوله بذر مع عمل ) قال ابن غازي فرض الكلام مع العامل مغن عن قوله مع عمل .

( قوله أي عمله ) أشار إلى أن التنوين في عمل عوض عن المضاف إليه ( قوله لمقابلة الأرض بجزء من البذر ) صوابه لمقابلة البذر جزءا من الأرض انتهى بن ( قوله واعترض إلخ ) حاصله أن المصنف ذكر أنها إن فسدت ، فإن كان العمل منهما فالزرع بينهما وترادا غيره ، وإن كان العمل من أحدهما ، فإن خرج من يده شيء آخر كأرض أو بذر فالزرع له ويلزمه الأجر حينئذ أو البذر ، وإن لم يخرج من يده شيء آخر كان الزرع لغيره وله أجرة مثله وهذا لا يوافق قولا من الأقوال الستة المنصوصة في فساد المزارعة وقد ذكر الشارح أن كلام المصنف موافق للقول السادس المرتضى وانظره فإنك عند التأمل لا تجده موافقا وسيظهر لك ( قوله الثالث أنه لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة أشياء إلخ ) أي فإذا كان الشركاء ثلاثة واجتمع لكل واحد منهم شيئان من الثلاثة المذكورة وانفرد كل واحد بشيء منها كان الزرع بينهم أثلاثا ، وإن اجتمع لواحد [ ص: 377 ] منهم شيئان دون أصحابه كان الزرع له دونهم ( قوله والسادس إلخ ) قد نظم ابن غازي هذه الأقوال الستة بقوله :

الزرع للعامل أو للباذر في فاسد أو لسوى المخابر أو من له حرفان من إحدى الكلم
عاب وعاث ثاعب لمن فهم

والمراد بالمخابر هنا الذي يعطي أرضه بما يخرج منها والعينان للعمل والألفان للأرض والباءان للبذر والثاءان للثيران فقوله عاب إشارة للقول السادس وعاث إشارة للقول الثالث وثاعب إشارة للقول الرابع ( قوله أو انفرد كل واحد منهم بشيء منها ) هذه الصورة مما يتخالف فيها كلام المصنف والقول السادس فإنه على كلام المصنف ليس للعامل في هذه إلا أجرة مثله ، وذلك ; لأن المصنف قال ، وإن فسدت وتكافآ عملا فبينهما قال الشارح : فإن لم يكن لأحدهما إلا مجرد العمل فلا شيء له من الزرع وإنما له أجرة مثله وبهذا يظهر لك عدم صحة جواب الشارح




الخدمات العلمية