الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأشار لشروط ضمان الصانع بقوله ( إن نصب نفسه ) لعموم الناس فلا ضمان على أجير خاص بشخص أو بجماعة مخصوصة ( وغاب عليها ) أي على السلعة المصنوعة بأن صنعها بغير حضور ربها وبغير بيته فإن صنعها ببيته ، ولو بغير حضوره أو صنعها بحضوره لم يضمن ما نشأ من غير فعله كسرقة أو تلف بنار مثلا بلا تفريط أو نشأ عن فعله مما فيه تغرير كما مر ويشترط أيضا أن يكون المصنوع مما يغاب عليه لا نحو عبد يرسله سيده للمعلم فيدعي هروبه فلا ضمان عليه ، وهذا غير قول المصنف وغاب عليها ، وإذا ضمن الصانع ( فبقيمته يوم دفعه ) إلا أن يرى عنده بعده فلآخر رؤية إلا أن يقر الصانع أنه تلف أو ضاع بعد ذلك وكانت قيمته أكثر إذ ذاك من قيمته يوم الدفع أو الرؤية فيغرمها ; لأنه أقر على نفسه ، وبالغ على الضمان بقوله ( ولو شرط ) الصانع ( نفيه ) أي نفي الضمان ويفسد العقد بالشرط المذكور ، وله أجر مثله ( أو ) ( دعا ) الصانع ربه ( لأخذه ) بعد فراغه من صنعته فتراخى ربه فادعى ضياعه فيضمن قال ابن عرفة إن لم يقبض الصانع أجرته [ ص: 29 ] فإن قبضها صار بعد الفراغ وطلبه لأخذه وديعة عنده فلا يضمن إلا بتفريط ( إلا أن تقوم بينة ) بتلفه أو ضياعه بلا تفريط فلا ضمان سواء دعاه لأخذه أم لا ، وإذا لم يضمن ( فتسقط الأجرة ) عن ربه ; لأنه لا يستحقها إلا بتسليمه لربه ( وإلا أن يحضره ) الصانع لربه ( بشرطه ) أي على الصفة التي شرطها عليه فتركه عنده وادعى ضياعه فإنه يصدق ; لأنه خرج عن حكم الإجارة إلى الإيداع ، وهذا إذا كان قد دفع الأجرة ، وإلا كان رهنا فيها فحكمه حكم الرهن ( وصدق ) راع نحر بعيرا أو ذبح شاة ( إن ) ( ادعى خوف موت ) لما نحره أو ذبحه ( فنحر ) أو ذبح ونازعه المالك وقال بل تعديت وحلف المتهم دون غيره كما يقتضيه ابن عرفة ( أو ) ادعى ( سرقة منحوره ) أي الراعي بأن قال ذبحتها خوف موتها ثم سرقت ، ومثل الراعي الملتقط ( أو ) ادعى الحجام ( قلع ضرس ) أذن له فيه ونازعه ربه وقال بل قلعت غير المأذون فيه ( أو ) ادعى الصباغ ( صبغا ) بأن قال أمرتني به وقال ربه بل بغيره أو قال أمرتني أن أصبغه بعشرة دراهم من الزعفران مثلا وقال ربه بل بخمسة ( فنوزع ) أي نازعه ربه فيصدق الأجير في المسائل الأربعة .

التالي السابق


( قوله : أو صنعها بحضوره ) أي ولو كان بغير بيته وقوله : كسرقة أي أو غصب وقوله : أو تلف بنار مثلا أو مطر ( قوله : أو نشأ عن فعله مما فيه تغرير ) أي ، وأما ما نشأ عن فعله الذي ليس فيه تغرير كقطع ثوب أو إحراقه من المكوي بحضرة ربه فإنه يضمن عند ابن رشد وهو المعتمد خلافا لابن دحون القائل بعدم ضمان ما صنع بحضرة ربه مطلقا سواء كان تلفه بما نشأ من غير فعله أو بما نشأ من فعله ( قوله : وهذا غير قول المصنف وغاب عليها ) أي ; لأن المراد بالغيبة على المصنوع أن لا يعمله في بيت ربه ، ولا بحضرته والمراد بكونه مما يغاب عليه أن يكون مما يمكن إخفاؤه وحينئذ فقد يوجد الشرطان معا وقد يوجد أحدهما دون الآخر قد يرتفعان ( قوله : فبقيمته يوم دفعه ) أي فيضمنه بقيمته يوم دفعه ربه إليه وبالموضع الذي دفعه له فيه بخلاف الطعام الذي تلف بالغرر الفعلي فإنه يضمنه بموضع التلف كما مر وكلام المصنف صريح في عدم لزوم الأجرة ; لأنه إنما ضمن قيمته غير مصنوع ، وحينئذ فلا أجرة له فلو أراد ربه أن يدفع له الأجرة ويأخذ منه قيمته معمولا لم يجب لذلك كما في الموازية والواضحة ابن رشد إلا أن يقر الصانع أنه تلف بعد العمل ( قوله : ويفسد العقد بالشرط المذكور ) أي لأنه شرط مناقض لمقتضى العقد وقوله : وله أجر مثله أي إذا لم يطلع على الفساد إلا بعد تمام العمل ، ثم محل الفساد بالشرط ما لم يسقطه قبل فراغ العمل ، وإلا صح العقد ( قوله : أو دعا الصانع ربه لأخذه بعد فراغه من صنعته ) أي من غير إحضار له ( قوله : قال ابن عرفة إن لم يقبض إلخ ) أي قال ابن عرفة محل ضمانه إذا دعاه لأخذه فتراخى فادعى ضياعه إن لم يقبض الصانع أجرته إلخ [ ص: 29 ] قوله : فإن قبضها إلخ ) مقتضى ما ذكره ابن عرفة سقوط الضمان حيث قبض الأجرة ، ولو لم يحضره لربه بشرطه ، وهو خلاف ظاهر اللخمي الذي اعتمده المصنف بعد بقوله إلا أن يحضره لربه بشرطه فتأمل . ا هـ . بن ( قوله : إلا أن تقوم بينة إلخ ) فيه إشارة إلى أن ضمان الصناع ضمان تهمة ينتفي بإقامة البينة لا ضمان أصالة ( قوله : وإذا لم يضمن ) أي بقيام البينة فتسقط الأجرة أشار الشارح بتقدير ، وإذا لم يضمن إلى أن الفاء واقعة في جواب شرط مقدر .

إن قلت إن سقوط الأجرة متسبب عن عدم التسليم لا عن عدم الضمان قلت يلزم من نفي الضمان عدم التسليم فاكتفى بعدم الضمان عن عدم التسليم ( قوله : لا يستحقها إلا بتسليمه لربه ) أي وتسليمه لربه منتف ( قوله : فنحر أو ذبح ) أي وجاء بها مذكاة بدليل قوله أو سرقة منحوره ; لأن العطف بأو يقتضي المغايرة فإن خاف موتها وترك ذكاتها حتى ماتت ضمن بالأولى مما قدمه في قوله وضمن مار أمكنته ذكاته وترك فإن ذكاها الراعي خوف موتها وقال أكلتها لم يصدق إذا كان محل الرعي قريبا ، وإلا صدق وينبغي أن محل عدم تصديقه ما لم يجعل له ربها أكلها فإن جعل له ذلك بأن قال له إذا رأيت عليها علامة الموت فاذبح وكل صدق ( قوله : ومثل الراعي الملتقط ) أي فيصدق إن ادعى خوف موت فنحر ، وأما المستأجر والمستعير والمرتهن والمودع والشريك فلا يصدق واحد منهم في دعواه التذكية لخوف الموت إلا بلطخ أو ببينة ، وإن كانوا يصدقون في دعوى التلف أو الضياع ، ولعل الفرق بين هؤلاء والراعي مع كون الجميع مؤمنين تعذر الإشهاد من الراعي غالبا بخلاف هؤلاء فإنه لا مشقة عليهم في الإشهاد غالبا ، وأحرى من هؤلاء في الضمان من مر على دابة شخص فذكاها وادعى أنه فعل ذلك خوف موتها أو سلخ دابة غيره وادعى أنه وجدها ميتة فلا يصدق إلا ببينة أو لطخ وكل ترك الذبح من هؤلاء حتى ماتت فلا ضمان عليه إلا إذا كان عنده من يشهده على ذبحها خوف الموت بخلاف الراعي فإنه يضمن بترك ذكاتها إذا ثبت تفريطه ( قوله : أو ادعى الحجام قلع ضرس أذن له فيه ونازعه ربه وقال بل قلعت غير المأذون فيه ) أي فيصدق الحجام ويحلف المتهم دون غيره كما لابن عرفة ، وله المسمى كما في المدونة لا أجرة المثل خلافا لسحنون حيث قال إن كلا منهما مدع ، ومدعى عليه فيتحالفان ويكون للحجام أجرة مثله لا التسمية فإن صدق الحجام من نازعه في أن المقلوع غير المأذون فيه فلا أجر له وعليه القصاص في العمد والدية في الخطأ والناب والسن كالضرس ، وخصه المصنف بالذكر لأن الغالب وقوع الألم فيه .

( قوله : أو ادعى الصباغ صبغا ) أي نوعا من الصبغ كزرقة صافية ونازعه رب الثوب وقال له أمرتك بصبغه أخضر مثلا فالقول للصباغ ، وهذا مقيد بما إذا أشبه بأن كان صاحب الثوب شأنه أن يصبغ الثوب باللون الذي ادعاه الصباغ لا شاش أزرق لشريك ، ولا أخضر لذمي ، وإلا فالقول لربه مع يمينه وبعد ذلك يخير إما أن يأخذه مصبوغا ويدفع أجرة مثله أو يسلمه ويأخذ قيمته أبيض ( قوله : بل بغيره ) أي بل أمرتك بغيره .




الخدمات العلمية