الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وإلا ) يدع بمعلوم محقق بأن ادعى بمجهول أو معلوم غير محقق ( لم تسمع ) دعواه ( ك أظن ) أن لي عليه شيئا ، أو أن لي عليه دينارا ، وإن بين السبب خلافا لبعض الشراح ، ثم إذا ادعى بمحقق معلوم ، أو مجهول على قول المازري فلا بد من بيان السبب ( وكفاه ) في بيان السبب ( بعت وتزوجت ) مثلا وإن لم يبين الصحة ( وحمل على الصحيح ) حتى يتبين خلافه بأن يقول من بيع ، أو سلف أو قراض ونحو ذلك ، أو تقول المرأة من نكاح ، أو نفقة ( وإلا ) يبين المدعي السبب ( فليسأله الحاكم عن السبب ) وجوبا فإن غفل فللمدعى عليه السؤال عنه فإن قال لا علم عندي به ، أو لا أبينه لم تسمع دعواه فلا يطالب المدعى عليه بجواب كما يأتي ( ثم ) بعد بيان السبب أمر القاضي ( مدعى عليه ) وهو من ( ترجح قوله بمعهود ) شرعي كالأمانة فإنه عهد في الشرع أن الأمين مصدق في قوله كالمودع بالفتح وعامل القراض والمساقاة ( أو أصل ) كالمدين فإن الأصل عدم الدين .

[ ص: 145 ] وكمدع أنه حر فإن الأصل الحرية فمن ادعى عليه أنه رقيق فعليه البيان بخلاف مدع أنه عتق إذ الأصل عدم العتق ; لأن دعواه استلزمت الإقرار بأنه جرى عليه الرق فيكون مدعيا فعليه البيان كرب الدين ، وسيده مدعى عليه كالمدين وقوله ( بجوابه ) متعلق ب أمر أي أمره الحاكم بأن يجيب بإقرار أو إنكار فإن أقر ، وإلا طلب الحاكم من المدعي البينة فإن أقامها فظاهر ، وإلا توجهت اليمين على المدعى عليه ، وإنما تتوجه عليه ( إن ) أثبت المدعي أنه ( خالطه بدين ) ولو مرة أي أن بينهما خلطة ( أو تكرر بيع ) بالنقد الحال ( وإن ) كان ثبوت الخلطة ( بشهادة امرأة ) لأن القصد من الخلطة اللطخ وهو يثبت بشهادة الواحد ولو أنثى ( لا ببينة جرحت ) أي جرحها المدعى عليه بعداوة ونحوها حين شهدت بأصل الدين ولا تكون كالمرأة في ثبوت الخلطة فتوجب توجه اليمين فعلم أن قوله إن خالطه شرط في مقدر فهم من قوة الكلام لا في الأمر بالجواب كما هو ظاهره فكان عليه أن يقرنه بقوله فإن نفاها واستحلفه إلخ ليكون ظاهرا في المراد ، ثم إن الذي عليه العمل أنه لا يشترط في توجه اليمين ثبوت خلطة .

التالي السابق


( قوله : وإلا يدع بمعلوم محقق إلخ ) يشير الشارح إلى أن قول المصنف وإلا إلخ مخرج من القيدين قبله والظاهر أنه مخرج من القيد الثاني فقط بدليل تمثيله بقوله ك أظن . ( قوله : خلافا لبعض الشراح ) أي القائل إنه إذا ادعى بمعلوم غير محقق وبين السبب فإنها تسمع دعواه . ( قوله : فلا بد من بيان السبب ) أي سبب ما ادعى به وقوله : فلا بد أي في سماع الدعوى . ( قوله : وكفاه إلخ ) أي أنه يكفي في بيان السبب أن يقول : لي عليه مائة من بيع أو من قرض ، أو من نكاح ، أو ما أشبه ذلك ولا يلزمه أن يقول من بيع صحيح ، أو من قرض صحيح ، أو نكاح صحيح ; لأنه محمول على الصحيح ; لأن الأصل في عقود المسلمين الصحة حتى يتبين خلافه وقوله : بعت أي ولي عنده ثمنه وتزوجت أي ولي عند الزوج الصداق . ( قوله : فإن غفل ) أي القاضي عن سؤال المدعي عن السبب . ( قوله : فللمدعى عليه السؤال عنه ) أي لاحتمال أن المدعى به غير لازم له إذا بين سببه . ( قوله : بمعهود شرعي ) أي بأمر عهد في الشرع ، وقوله : كالأمانة أي كتصديق ذي الأمانة وهذا مثال للمعهود الشرعي . ( قوله : كالمودع بالفتح وعامل القراض والمساقاة ) مثال لمن ترجح قوله : بمعهود شرعي فمن قال رددت الوديعة ، أو مال القراض فهو مدعى عليه لترجح قوله بالمعهود شرعا وهو تصديق الأمين . ( قوله : كالمدين ) مثال لمن ترجح قوله : [ ص: 145 ] بأصل فمن قال حين ادعي عليه بدين كذا : إنه لا دين علي فهو مدعى عليه ; لأنه قد ترجح قوله : بالأصل ; لأن الأصل عدم الدين . ( قوله : وكمدع أنه حر ) والحال أن شخصا يدعي عليه أنه عبده وحاصله أنه إذا ادعى شخص على آخر أنه عبده فأنكر ذلك الآخر أن يكون عبده وادعى أنه حر فمدعي الحرية مدعى عليه ; لأنه قد ترجح قوله : بالأصل وهو الحرية ; لأنها الأصل في الناس شرعا وإنما طرأ لهم الرق هو السبي بشرط الكفر والأصل عدم السبي إلا أن يثبت مدعي الرقبة بالبينة أنه رقيق فصار الرق من جهة الأصل فدعوى مدعي الحرية ناقلة عن الأصل فتحتاج لبينة فإن أقامها فبها ونعمت وإلا بقي في الرق . ( قوله : فعليه البيان ) أي لدعواه خلاف الأصل . ( قوله : بخلاف مدع أنه عتق ) أي فإنه مدع لخلاف الأصل . ( قوله : فيكون مدعيا ) أي لمخالفته في دعواه للأصل وقوله : كرب الدين أي فإنه مدع لدعواه خلاف الأصل . ( قوله : وسيده ) أي سيد العبد الذي ادعى أنه عتق وقوله كالمدين أي كما أن المدين مدعى عليه ; لأن كلا منهما موافق في دعواه للأصل .

فإن قلت قد علم منه أن من كانت دعواه موافقة للأصل كان مدعى عليه وأنه لا يطالب بالإثبات ، ويعكر على هذا ما مر من أن رب الدين إذا ادعى ملاء المدين وادعى المدين العسر فإنه يطالب بإثباته ببينة مع أنه متمسك بالأصل وهو العسر .

قلت قد تعارض الأصل والغالب ; لأن العسر وإن كان هو الأصل لكن الغالب الملاء ومن قواعد المذهب استصحاب الأصل ما لم يعارضه غالب فلما تعارضا هنا صار المنظور إليه الغالب . ( قوله : إن أثبت المدعي أنه خالطه إلخ ) إنما يحتاج لإثبات الخلطة إذا أنكر المدعى عليه أن يكون المدعي عامله أصلا ، وقوله : إن أثبت المدعي أنه خالطه بدين أي مترتب على بيع لأجل أو حال ، أو قرض ولو مرة بأن تقول البينة نشهد أنه كان أقرضه ، أو باع له سلعة كذا بثمن في الذمة حال ، أو مؤجل ولا نعرف قدر الثمن ، أو القرض ولا نعلم بقاءه . ( قوله : اللطخ ) أي حصول الظن بثبوت المدعى به . ( قوله : لا ببينة جرحت ) أي لا تثبت الخلطة ببينة جرحت . ( قوله : حين شهدت ) أي للمدعي بأصل الدين الذي ادعى به . ( قوله : شرط في مقدر ) أي والتقدير وأمر المدعى عليه وهو من ترجح قوله بعرف أو أصل بجوابه فإن أجاب بالإقرار فواضح وإن أجاب بالإنكار فإن أقام المدعي البينة أخذ منه وإن لم يقم البينة توجهت اليمين على المدعى عليه إن إلخ . ( قوله : فهم من قوة الكلام ) هذا بعيد جدا ولذا قيل لعل ناسخ المبيضة قدمه على محله . ( قوله : لا في الأمر بالجواب ) أي لأنه لم يقله أحد بل يأمره به وإن لم يكن بينهما خلطة . ( قوله : أن يقرنه ) أي أن يقرن قوله إن خالطه إلخ . ( قوله : ليكون ظاهرا في المراد ) أي لأنه مفرع عليه كما علم مما قرره . ( قوله : ثم إن الذي عليه العمل إلخ ) هو قول ابن نافع وصاحب المبسوط والذي مشى عليه المصنف قول مالك وعامة أصحابه وهو المشهور من المذهب لكن المعتمد قول ابن نافع لجريان العمل به ومعلوم أن ما جرى به العمل مقدم على المشهور في المذهب إن خالفه .




الخدمات العلمية