الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم أشار إلى شرط الحد على من اجتمعت فيه الشروط السابقة بقوله ( إن أقر ) بالشرب ( أو شهدا ) أي شهد عدلان ( بشرب أو شم ) لرائحته في فمه وعلمت رائحته إذ قد يعرف رائحتها من لا يشربها وكذا لو شهد عدل برؤية الشرب وآخر برائحتها أو بتقايؤها فيحد ، فإن رجع بعد إقراره ولو لغير شبهة قبل ( وإن خولفا ) أي خالفهما غيرهما من العدول بأن قالا : ليس رائحته رائحة خمر بل خل مثلا فلا تعتبر المخالفة ويحد ; لأن المثبت يقدم على النافي ( وجاز ) شربها ( لإكراه ) على الشرب وأراد بالجواز في هذا لازمه وهو عدم الحد إذ المكره غير مكلف ولا يوصف بجواز أو غيره من الأحكام الخمسة إلا أفعال المكلفين ، والإكراه يكون بالقتل أو بضرب يؤدي إليه وكذا بإتلاف عضو من أعضائه أو بضرب يؤدي إليه أي بقيد أو سجن شديدين على أظهر القولين لسحنون ( وإساغة ) لغصة خاف على نفسه الهلاك منها ولم يجد ما يزيلها به خلافا لابن عرفة في عدم الجواز والجواز في الإساغة على حقيقته ، والمراد به نفي الحرمة الصادقة بالوجوب ( لا ) يجوز استعمال الخمر لأجل ( دواء ) ولو لخوف الموت [ ص: 354 ] ( ولو طلاء ) به في جسده ولو خلط بشيء من الدواء الجائز ويحد إن شربه لا إن طلي به .

التالي السابق


( قوله : إذ قد يعرف إلخ ) جواب عما يقال : إنه لا يعرف رائحتها إلا من شربها ومن شربها لا تقبل شهادته فيها ; لأنه إن لم يتب كان فاسقا وإن تاب وحد فلا تقبل شهادته فيما حد فيه وحاصل الجواب أنا لا نسلم أنه لا يعرف رائحتها إلا من شربها بل قد يعرف رائحتها من لم يكن شربها فقط كمن رآها مراقة مع علمه بها أو رأى إنسانا يشربها مع علمه بها فشم رائحتها وعلمها .

( قوله : وإن خولفا ) أي وكذا إن خالفهما الشارب ولو حلف بالطلاق ما شربها فيحد ولا طلاق عليه إن حلف بالله أنه ما حلف بالطلاق كاذبا ( قوله : أي خالفهما غيرهما من العدول ) أي فيما شربه بأن قالا : شرب خلا لا خمرا أو في رائحة فمه بأن قالا : رائحته رائحة خل لا خمر فقول المصنف وإن خولفا راجع لكل من المسألتين قبله أعني الشهادة بالشرب والشهادة بالرائحة لا للثانية فقط كما يوهمه كلام الشارح ( قوله : وأراد بالجواز في هذا لازمه وهو عدم الحد ) أي فكأنه قال : لا حد في إكراه فعبر بالملزوم وهو جواز الشرب وأراد لازمه وهو عدم الحد ( قوله : والإكراه يكون بالقتل ) أي بخوفه وخوف ما بعده والمراد بالخوف مما ذكر ظن حصوله أو الجزم به ( قوله : وإساغة لغصة ) إنما جاز شرب الخمر لذلك ولم يجز شربه لخوف موت بجوع أو عطش لزوال الغصة بالخمر تحقيقا أو ظنا قويا بخلاف الجوع والعطش ، فإنهما لا يزالان به بل يزيدان لما في طبعه من الحرارة والهضم ( قوله : في عدم الجواز ) أي وإن كان لا حد عنده أيضا ( قوله : الصادق بالوجوب ) أي لأن إساغة الغصة بالخمر واجبة إذا خاف على نفسه الهلاك ولم يجد غيره واعلم أنه تقدم الإساغة بالنجس على الإساغة بالخمر لحرمة استعماله دواء للضرورة وحد شاربه بخلاف النجس فيهما ( قوله : لا يجوز استعمال الخمر لأجل دواء ولو لخوف الموت ) أي فإن وقع ونزل وتداوى به شربا حد ابن العربي تردد علماؤنا في دواء فيه خمر والصحيح المنع والحد ا هـ وما ذكره من الحد [ ص: 354 ] إذا سكر بالفعل وإلا لم يحد ولا يرد قول المصنف ما يسكر جنسه وإن لم يسكر بالفعل ، فإن هذا يقتضي حده ; لأن كلام المصنف في غير المخلوط بدواء ( قوله : ولو طلاء ) أي هذا إذا تداوى به شربا بل ولو تداوى به طلاء ولكنه لا يحد إذا تداوى به طلاء بخلاف ما إذا تداوى به شربا ، فإنه يحد ( قوله : ولو خلط بشيء من الدواء الجائز ) أي هذا إذا طلى به منفردا بل ولو طلى به مخلوطا بشيء من الدواء الجائز ومحل منع الطلاء به منفردا أو مختلطا بدواء جائز ما لم يخف الموت بتركه وإلا جاز كما في عبق




الخدمات العلمية