الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما فرغ من الكلام على الحدود التي جعل الشارع فيها شيئا معلوما لكل أحد شرع في الكلام على العقوبة التي ليس فيها شيء مقدر من الشارع بل تختلف باختلاف الناس وأقوالهم وأفعالهم وذواتهم وأقدارهم فقال ( وعزر الإمام ) أو نائبه ممن له ذلك ( لمعصية الله ) وهي ما ليس لأحد إسقاطه كالأكل في نهار رمضان وتأخير الصلاة وطرح النجاسة ونحوها في طريق العامة إلا أن يجيء تائبا ( أو لحق آدمي ) وهو ما له إسقاطه كالسب والضرب والإيذاء بوجه ما ، وإن كان فيه حق لله تعالى ; لأنه ما من حق لآدمي إلا ولله فيه حق إذ من حق الله على كل مكلف ترك أذية غيره من المعصومين .

واعلم أنه لا يجوز لأحد تأديب أحد إلا الإمام أو نائبه أو السيد في رقيقه في مخالفته لله أو له أو الزوج للنشوز أو تركها نحو الصلاة إذا لم ترفع للإمام أو الوالد لولده الصغير أو معلما ولا يجوز لإمام أو غيره لعن ولا قذف ولا سب فاحش ولا سب الآباء والأمهات ولا تعمد كسر عظم وإتلاف عضو أو تمثيل أو ضرب وجه وذكر أنواع التعزير التي يرجع فيها لاجتهاد الإمام باعتبار القائل والمقول له والقول والفعل بقوله ( حبسا ) بما فيه ظن الأدب وردع النفس ( ولو ما ) أي توبيخا بالكلام منصوبان بنزع الخافض بدليل قوله ( وبالإقامة ) من المجلس [ ص: 355 ] ( ونزع العمامة ) من رأسه ( وضرب بسوط أو غيره ) كقضيب ودرة وصفع بالقفا وقد يكون بالنفي كالمزورين وقد يكون بالإخراج من الحارة كأهل الفسوق المضرين بالجيران وقد يكون بالتصدق عليه بما باع به ما غشه وقد يكون بغير ذلك كما يعلم من المواطن التي للحكام النظر فيها

التالي السابق


( قوله : لكل أحد ) أي فلا ينظر في الحدود لشرف ولا لغيره ومن قذف جماعة كمن قذف واحدا ومن يشرب كأسا كمن شرب قنطارا تعبدا ( قوله بل تختلف باختلاف الناس ) أي المستحقين لها وقوله وأقوالهم إلخ الأولى من جهة أقوالهم وأفعالهم الموجبة للعقوبة وقوله وذواتهم أي قوة وضعفا وقوله وأقدارهم أي ومن جهة أقدارهم وسفالتهم ( قوله : أو نائبه ) أي أو السيد بالنسبة لعبده ووالد الصغير ومعلمه ، وقوله : أو نائبه أي ولو بواسطة فيدخل مشايخ الحرف كما عندنا بمصر ( قوله : وتأخير الصلاة ) أي عن وقتها ولو اختياريا ( قوله : إلا أن يجيء تائبا ) أشار بهذا إلى أن التعزير المتمحض لحق الله يسقط عن مستحقه إذا جاء تائبا بخلاف التعزير لحق الآدمي ، فإنه لا يسقط بذلك نعم يسقط لعفو صاحب الحق عنه ( قوله : وإن كان فيه ) أي فيما ذكر من السب وما بعده ( قوله : أو غيره ) أي ممن له التأديب وقوله : لعن أي التعزير باللعن وما بعده ( قوله : بما ) أي بمدة أي في مدة يظن حصول الأدب له به فيها ( قوله وبالإقامة من المجلس ) يحتمل أن المراد بالإقامة من المجلس إيقافه فيه أي أمر الحاكم له بوقوفه على قدميه ثم يقعده ويحتمل أن المراد أمره بالذهاب من المجلس [ ص: 355 ] قوله : وضرب بسوط أو غيره ) أي بخلاف الحد ، فإنه لا يكون إلا بالسوط ، فإن حد بغير السوط ، فإنه لا يجزي كما مر ( قوله : وقد يكون ) أي التعزير ( قوله : بالإخراج من الحارة ) أي وبيع ملكه عليه ( قوله : وقد يكون بغير ذلك ) أي كإتلافه لما يملكه كإراقة اللبن على من غشه حيث كان يسيرا ولا يجوز التعزير بأخذ المال إجماعا وما روي عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من أنه جوز للسلطان التعزير بأخذ المال فمعناه كما قال البزازي من أئمة الحنفية أن يمسك المال عنده مدة لينزجر ثم يعيده إليه لا أنه يأخذه لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة إذ لا يجوز أخذ مال مسلم بغير سبب شرعي أي كشراء أو هبة




الخدمات العلمية