الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما فرغ من الكلام على أحكام المفقود شرع في الكلام على إرث الخنثى المشكل ، وأخره عن ميراث الذكورة والأنوثة المحققين [ ص: 489 ] لتوقف معرفة ميراثه على معرفة مقدار ميراثهما وحقيقة الخنثى سواء كان مشكلا أم لا من له آلة ذكر وآلة امرأة وقيل يوجد منه نوع ليس له واحدة منهما وله مكان يبول منه ولا يتصور شرعا أن يكون أبا أو أما أو جدا أو جدة أو زوجا أو زوجة ; لأنه لا يجوز مناكحته ما دام مشكلا وهو منحصر في سبعة أصناف الأولاد وأولادهم والإخوة وأولادهم والأعمام وأولادهم والموالي ، وأشار المصنف إلى قدر ميراثه إذا كان يختلف حاله بالذكورة والأنوثة بقوله ( وللخنثى المشكل ) الذي لم تتضح ذكورته ولا أنوثته بعلامة تميزه ( نصف نصيبي ذكر وأنثى ) أي يأخذ [ ص: 490 ] نصف نصيبه حال فرضه ذكرا وحال فرضه أنثى لا أنه يعطى نصف نصيب الذكر المحقق الذكورة المقابل له ونصف نصيب الأنثى المحققة الأنوثة المقابلة له فإذا كان على تقدير كونه ذكرا سهمان وعلى تقدير كونه أنثى سهم فإنه يعطى نصف نصيب الذكر وهو سهم ونصف نصيب الأنثى وهو نصف سهم ومجموع ذلك سهم ونصف ، وهذا إذا كان يرث بالجهتين وكان إرثه بهما مختلفا كابن أو ابن ابن ، وأما لو ورث بالذكورة فقط كالعم وابنه فله نصفها فقط إذ لو قدر عمة لم ترث ، وإن ورث بالأنوثة فقط كالأخت في الأكدرية أعطي نصف نصيبها إذ لو قدر ذكرا لم يعل له ولو اتحد نصيبه على تقدير ذكورته وأنوثته ككونه أخا لأم أو معتقا أعطي السدس إن اتحد والثلث مع غيره إن تعدد في الأول ، وأخذ جميع المال في الثاني وقد يرث بالأنوثة أكثر كزوج وأخ لأم ، وأخ لأب خنثى فمسألة الذكورة كما ذكر المصنف من ستة والأنوثة كذلك وتعول لسبعة والحاصل منهما اثنان ، وأربعون يضرب في حالتيه بأربعة وثمانين وقد يشعر بالقيدين المذكورين قوله نصيبي ذكر وأنثى وقوله الآتي على التقديرات ، وقد علم مما ذكرنا أن له خمسة أحوال حال يرث بالجهتين إلا أن إرثه بالذكورة أكثر لكونه ابنا أو أخا شقيقا أو لأب ، الثاني أنه يرث على أنه ذكر فقط لكونه عما ، والثالث عكسه والرابع مساواة إرثه ذكورة وأنوثة والخامس إرثه بالأنوثة أكثر وقد علمت أمثلتها .

قوله وللخنثى أي جنس الخنثى الصادق بالواحد والمتعدد إلا أنه إذا تعدد تضاعفت الأحوال وبتضعيفها يحصل لكل نصف نصيبي ذكر وأنثى وقوله وللخنثى خبر مقدم وقوله نصف إلخ مبتدأ مؤخر فيفيد أنه لا يوقف القسم للاتضاح [ ص: 491 ] وهو المشهور واستأنف استئنافا بيانيا لبيان كيفية العمل الموصل لما ذكر ، وإن كان في بعضه حذف يتبين بالشرح فقال ( تصحح ) أيها القاسم ( المسألة ) أي تعملها على وجه التصحيح ( على ) جنس ( التقديرات ) فيشمل التقديرين كمثاله الأول والأربع تقديرات كمثاله الثاني أو أراد بالجمع ما فوق الواحد أي تصححها على تقدير أنه ذكر محقق وعلى تقدير أنه أنثى محققة ( ثم ) بعد تصحيح المسألة على الذكورة فقط والأنوثة فقط تنظر بين المسألتين أو المسائل بالأنظار الأربعة المتقدمة التماثل والتداخل والتوافق والتباين فإن كان توافق ( تضرب الوفق ) أي وفق أحد المسألتين في كل الأخرى ( أو ) كان تباين تضرب ( الكل ) في كل الأخرى فقد حذف المضروب فيه ، وإن تماثلتا اكتفيت بإحداهما ، وإن تداخلتا اكتفيت بكبراهما .

وسكت المصنف عن هذين لسهولتهما أو علمهما من ذكر أخويهما ( ثم ) تضرب ما تحصل ( في حالتي الخنثى ) تذكيره وتأنيثه إن كان واحدا كمثاله الأول وفي أحواله إن تعددت كمثاله الثاني ( وتأخذ ) بعد عملك المذكور ( من كل نصيب ) مما اجتمع ما يجب أن يؤخذ فالمفعول محذوف ، ثم استأنف لبيان أخذ ما يجب أخذه قوله ( من الاثنين ) فهو معمول لمحذوف أي تأخذ من الاثنين أي الحالين المشتمل عليهما الخنثى الواحد ( النصف ) إذ هو نسبة الواحد الهوائي المسمى بمفرد التقديرات إلى الاثنين [ ص: 492 ] ( و ) تأخذ من ( أربعة ) من التقادير إذا كان خنثيان ( الربع ) إذ هو نسبة واحد هوائي إلى أربعة وفي كلامه عطف على معمولين لعاملين مختلفين إذ أربعة عطف على اثنين والعامل فيه من والربع عطف على النصف والعامل فيه تأخذ المقدر .

( فما اجتمع ) من النصف في الحالين أو الربع في الأربعة ( فنصيب كل ) أي كل واحد من الورثة فيعطى كل واحد من الورثة نصف أو ربع ما تحصل من المجموع . والحاصل أنك تجمع ما حصل لكل وارث وتحفظه ثم تنسب واحدا مفردا إلى أحوال الخناثى التي بيدك فيأخذ كل وارث مما حصل له بتلك النسبة فإن كان بيدك حالان أخذ كل وارث نصف ما بيده ، وإن كان أربعة فربع ما بيده ، وإن كانت الأحوال ثمانية فثمن ما بيده وهكذا بنسبة واحد مفرد إلى مجموع الأحوال فإذا كان في الفريضة خنثى واحد فله حالان ، وإن كان اثنان فلهما أربعة أحوال ; لأنهما يقدران في حالة ذكرين وفي أخرى أنثيين وفي أخرى يقدر أحدهما ذكرا والآخر أنثى وبالعكس وفي ثلاثة خناثى ثمانية أحوال ; لأنهم إما ذكور فقط أو إناث فقط أو زيد منهم ذكرا والآخران أنثيين أو عكسه أو يقدر عمرو منهم ذكرا والآخران أنثيين أو عكسه أو خالد ذكرا والباقي أنثيين أو عكسه فتذكير الكل من ثلاثة كتأنيثهم وتذكير أحدهم من أربعة وتذكير اثنين من خمسة فتضرب الثلاثة في الأربعة للتباين ثم الاثني عشر في الخمسة بستين ثم تضرب في ثمانية الأحوال فما حصل فلكل ثمن ما بيده .

وذكر المصنف بعض الأمثلة لإيضاح ما ذكره بقوله ( كذكر ) واحد ( وخنثى ) واحد مات مورثها عنهما ( فالتذكير ) أي تقدير الخنثى ذكرا المسألة ( من اثنين والتأنيث ) أي تقديره أنثى ( من ثلاثة تضرب الاثنين ) مسألة التذكير ( فيها ) أي في الثلاثة مسألة التأنيث لتباينهما بستة ( ثم ) تضرب الستة ( في حالتي الخنثى ) باثني عشر تقسمها على اثنين مسألة التذكير لكل ستة وعلى ثلاثة مسألة التأنيث له أربعة يحصل ( له ) أي للخنثى ( في الذكورة ستة وفي الأنوثة أربعة ) مجموعها عشرة ( فنصفها خمسة ) يأخذها الخنثى ; لأن له تقديرين ونسبة واحد لهما النصف .

( وكذلك غيره ) أي غير الخنثى وهو الذكر المحقق يأخذ نصف ما حصل بيده وهو أربعة عشر ; لأن له في التذكير ستة وفي التأنيث [ ص: 493 ] ثمانية ومجموعهما أربعة عشر يعطى نصفها سبعة ولو كان بدل الذكر المحقق أنثى محققة لكان التذكير من ثلاثة والتأنيث كذلك إذ البنتان لهما الثلثان فيكتفي بأحدهما للتماثل وتضرب الثلاثة في حالتي الخنثى بستة له في التذكير أربعة وفي التأنيث اثنان فالمجموع ستة يأخذ ثلاثة وللبنت المحققة اثنان في التأنيث واثنان في التذكير تعطي نصفهما اثنان يبقى واحد للعاصب وهذا مثال للتماثل ومثال التداخل ما لو كان مع الابن الخنثى أخ لأب فالتذكير من واحد إذ لا شيء للأخ مع الابن والتأنيث من اثنين والواحد دخل فيهما فيكتفى بهما ويضربان في حالتي الخنثى بأربعة فعلى ذكورته يختص بها وعلى أنوثته تأخذ منها اثنين ومجموعها ستة يعطى نصفها ثلاثة وللأخ الباقي وهو واحد ; لأن له في التأنيث اثنين نصفهما واحد .

( وكخنثيين وعاصب ) كأخ أو عم ( فأربعة أحوال ) تقديرهما ذكرين وأنثيين والأكبر ذكرا والأصغر أنثى وعكسه فعلى أنهما ذكران فالمسألة من اثنين ولا شيء للعاصب وعلى تقديرهما أنثيين فالمسألة من ثلاثة لهما اثنان وللعاصب واحد وعلى تقدير الأكبر ذكرا والأصغر أنثى من ثلاثة وكذا عكسه ولا شيء للعاصب في هذين التقديرين كالأول ثلاث فرائض منها متماثلة في المخرج وهي كونها من ثلاثة فيما عدا التقدير الأول يكتفى منها بواحد وتضرب الثلاثة في اثنين فريضة تذكيرهما للتباين بستة ( تنتهي ) بضربها في الأحوال الأربعة ( لأربعة وعشرين ) تقسمها على التذكير لكل منهما اثنا عشر وعلى تأنيثهما لكل منهما ثمانية وللعاصب ثمانية وعلى تذكير الأكبر مع تأنيث الأصغر للذكر ستة عشر وللأنثى ثمانية وكذا عكسه ثم تجمع ما لكل منهما تجده أربعة وأربعين وللعاصب في تأنيثهما ثمانية فيعطى كل ربع ما بيده ; لأن الأحوال أربعة ( لكل ) من الخنثيين ( أحد عشر وللعاصب اثنان ) [ ص: 494 ]

ثم ذكر ما يزول به إشكال الخنثى من العلامات الدالة على أنوثته أو ذكورته بقوله ( فإن بال ) الخنثى ( من واحد ) من فرجيه دون الآخر فلا إشكال فيه إذ بوله من ذكره دليل على ذكورته وبوله من فرجه دليل على أنوثته [ ص: 495 ] ( أو كان ) بوله من أحدهما ( أكثر ) من الآخر خروجا لا كيلا أو وزنا لعدم اعتبار الكثرة بهما كما قال الشعبي فإذا كان يبول من ذكره مرتين ومن فرجه مرة دل ذلك على أنه ذكر وبالعكس دل على أنه أنثى ولو كان الذي يخرج من الأقل خروجا أكثر وزنا ( أو ) كان يخرج من المحلين لكن خروجه من أحدهما ( أسبق ) من خروجه من الآخر فإن سبق من الذكر فذكر ومن الفرج فأنثى فإن اندفع منهما معا اعتبر الأكثر عند الأكثر ثم الاختبار بالبول إنما هو في حال صغره حيث يجوز النظر لعورته كما قال ابن يونس يجوز نظر عورة الصغير وهو ظاهر فيما إذا كانت لا يلتذ بها بخلاف المراهقة ، وأما في حال الكبر فقالوا يختبر بأن يبول إلى حائط أو عليها فإن ضرب بوله الحائط أو أشرف عليه أي نبا وانفصل عن الحائط فذكر ، وإن نزل على سطحه أو بين فخذيه فأنثى ; لأنه دليل على أنه خرج من الفرج لكن هذا لا يتم في الأسبقية ولا في الأكثر خروجا وظاهر إطلاقهم أنه لا يشترط التكرار فلو تحققت حياته وبال من أحدهما مرة واحدة ثم مات فالحكم لصاحب المبال فإن تساوى بوله منهما ولم يعلم حاله انتظر بلوغه إن كان غير بالغ فإن احتلم من ذكره ( أو نبتت له لحية ) دون ثدي فذكر قال محمد بن سحنون ; لأن الأصل في نبات شعر اللحية من البيضة اليسرى فلا يرد ما قالوه في فرائض الوضوء من أن المرأة قد ينبت لها لحية ; لأنه نادر لا حكم له .

( أو ) نبت له ( ثدي ) كثدي النساء لا كثدي رجل بدين فأنثى فإن نبتا معا أو لم ينبتا فباق على إشكاله ولا ينظر إلى عدد أضلاعه عند الأكثر [ ص: 496 ] وقيل ينظر لذلك وعليه فالمرأة لها من كل جانب ثمانية عشر ضلعا بكسر ففتح على الأفصح والذكر له من الجانب الأيمن كذلك ومن الأيسر سبعة عشر ضلعا وقيل للمرأة من كل جانب سبع عشرة وللذكر من الأيمن كذلك ومن الأيسر ست عشرة ضلعا قيل وسبب ذلك أن الله تعالى لما خلق آدم ، وأراد خلق حواء منه ألقى عليه النوم فنام ثم استل من جانبه الأيسر ضلعا أقصر فخلق منه حواء بالمد فخرجت منه كما تخرج النخلة من النواة أي بلا تألم وروي أنه لما استيقظ من نومه رآها بجنبه فأعجبته فمد يده إليها فقالت له الملائكة مه يا آدم حتى تؤدي مهرها قيل وما مهرها قيل تصلي على محمد عشرين مرة وروي ثلاث مرات وقال بعضهم ينظر إلى شهوته فإن مال إلى النساء فذكر ، وإن مال إلى الرجال فأنثى ( أو ) حصل منه ( حيض ) ولو مرة ( أو مني ) من أحد فرجيه ( فلا إشكال ) [ ص: 497 ] لاتضاح الحال .

التالي السابق


( قوله : على إرث الخنثى إلخ ) هو مأخوذ من الانخناث ، وهو التثني والتكسر ; لأن شأن الخنثى التثني في كلامه والتكسر فيه بأن يلينه بحيث يشبه كلامه كلام النساء وفي أفعاله بأن يهز معطفه إذا مشى أو مأخوذ من قولهم خنث الطعام إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه المقصود منه وشارك طعم غيره لاشتراك الشبهين فيه من حيث إنه يشبه الذكر بآلة والأنثى بآلة واعلم أن الخنثى خاص [ ص: 489 ] بالآدمي والإبل كالبقر على ما أخبر به جماعة الإمام النووي عام حجه سنة أربع وسبعين وستمائة وسألوه عن إجزاء التضحية به فأفتاهم بالإجزاء ; لأنه إما ذكر أو أنثى وكلاهما مجزئ ، وليس فيه ما ينقص اللحم . ا هـ . وقول النووي ; لأنه إما ذكر أو أنثى يشير إلى أنه ليس خلقا مستقلا ، وإنما إشكاله ظاهري فقط ( قوله : لتوقف معرفة ميراثه ) أي معرفة قدر ميراثه أي فقدم المتوقف عليه ; لأنه سبب والمتوقف مسبب والمسبب متقدم على المسبب ( قوله : من له آلة ذكر وآلة امرأة ) أي لا من ليس له ذلك ، وإنما له ثقبة ، ولا من له أنثيان وفرج امرأة أو ذكر وفرج امرأة بغير أنثيين فيما يظهر . ا هـ عبق . ( قوله : وقيل يوجد منه إلى آخره ) هذا هو الحق فقد نقل ابن علاق عن الطرطوشي ما نصه الخنثى هو الذي له ذكر وفرج أو لا يكون له واحد منهما ، ولكن له ثقب يخرج منه البول . ا هـ . وقال ح الخنثى أصله من خنث الطعام إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه المقصود منه ، وهو نوعان نوع له الآلتان ونوع ليس له واحدة منهما ، وإنما له ثقب يبول منه انتهى إلا أنه قيل إن النوع الثاني نادر الوجود . ا هـ بن .

( قوله : ولا يتصور ) أي غالبا ، وإلا فقد وقع أنه ولد من ظهره ومن بطنه كما في مسألة الملفوف المشهور ( قوله : والموالي ) أي المعتقون بكسر التاء ; لأن الكلام في إرثه من الغير ( قوله : وللخنثى إلى آخره ) بين خنثى وأنثى من المحسنات البديعية الجناس اللاحق كما أن بين ذكر وأنثى صنعة الطباق ( قوله : الذي لم تتضح إلى آخره ) أي فإن اتضحت ذكورته أخذ ميراث ذكر ، وإن اتضحت أنوثته أخذ ميراث أنثى ( قوله : نصف نصيبي ذكر وأنثى ) ينبغي أن يراعى العطف سابقا على الإضافة ثم يرتكب التوزيع ، وإلا لزم على الأول أن النصيبين للذكر وحده ، وعلى الثاني أن لكل من الذكر والأنثى نصيبين ، وإلى ما [ ص: 490 ] ذكرنا من المراعاة أشار الشارح بقوله أي يأخذ إلى آخره ( قوله : نصف نصيبه ) أي نصيب نفسه ( قوله : لا أنه يعطى إلى آخره ) أي كما فهمه ابن خروف واعترض على المتقدمين في عملهم الآتي ، وإعطائهم الخنثى خمسة أسهم والذكر المحقق سبعة في مثال المصنف الآتي .

( قوله : وهذا ) أي أخذه نصف نصيبي ذكر وأنثى ( قوله : نصفها ) أي نصف الذكورة أي نصف ما يرثه بها ( قوله : إذ لو قدر عمة ) أي أو بنت عمة ( قوله : كالأخت في الأكدرية ) ، وهي زوج وأم وجد ، وأخ خنثى وطريق العمل فيها أن تقول إن مسألة الذكورة من ستة ، ولا عول والأنوثة تعول لتسعة وتصح من سبعة وعشرين توافق الستة بالثلث فيرجعان لأربعة وخمسين اضربها في حالتي الخنثى بمائة وثمانية فعلى التذكير للزوج أربعة وخمسون ، وللأم ستة وثلاثون ، وللجد ثمانية عشر وعلى التأنيث للزوج ستة وثلاثون ، وللأم أربعة وعشرون يبقى ثمانية ، وأربعون تقسم على الجد والخنثى للجد ثلثاها ، وللخنثى ثلثها فللجد اثنان وثلاثون ، وللخنثى ستة عشر فيجتمع للزوج من المسألتين تسعون ; لأن له من مسألة التذكير أربعة وخمسين ، وله من مسألة التأنيث ستة وثلاثون فالجملة تسعون له نصفها ، وللأم من المسألتين ستون ; لأن لها من مسألة التذكير ستة وثلاثين ، ولها من مسألة التأنيث أربعة وعشرين فالجملة ستون لها نصفها ، وللجد من المسألتين خمسون ; لأن له من مسألة التذكير ثمانية عشر ومن مسألة التأنيث اثنان وثلاثون فالجملة خمسون له نصفها ، وللخنثى من مسألة التأنيث ستة عشر له نصفها .

( قوله : بالقيدين المذكورين ) أي إرثه بالذكورة والأنوثة واختلاف نصيبه على كل منهما ( قوله : عكسه ) أي إرثه على أنه أنثى لا على أنه ذكر كما في الأكدرية ( قوله : أي جنس الخنثى إلخ ) هذا التقرير للشيخ إبراهيم اللقاني قصد به الرد لما قاله الشيخ أحمد الزرقاني أن كلام المصنف فيما إذا اتحد الخنثى ، وأما إن تعدد فله ربع أربعة أنصبة ذكور ، وإناث كما يأتي للمصنف أن الأحوال أربع .

( قوله : يحصل لكل ) أي لكل واحد من الخناثى ( قوله : وللخنثى خبر مقدم إلخ ) أي وحينئذ فالواو للاستئناف إما النحوي وهو ظاهر ، وإما البياني فالجملة جواب لسؤال مقدر كأن قائلا قال له قد ذكرت قدر ميراث الذكر المحقق والأنثى المحققة ، وأما الخنثى فما قدر ميراثه ، وهذا بناء على ما ارتضاه بعض المحققين من جواز اقتران البياني بالواو وجعل من ذلك قوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } . فإنها جواب عن سؤال نشأ من قوله قبل { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الآية تقديره قد استغفر إبراهيم لأبيه فتأمل .

( قوله : فيفيد إلخ ) أي وأما لو جعل قوله : نصف نصيبي إلخ عطفا على نائب فاعل وقف القسم للحمل ، وأن المعنى وقف القسم للحمل ووقف نصف نصيبي ذكر وأنثى للخنثى أي لاتضاح حاله لأفاد وقف القسم لاتضاح حاله ، وهو [ ص: 491 ] إشكاله ، وهو خلاف المشهور ( قوله : وهو المشهور ) مقابله ما ذكره ابن شاس وابن الحاجب وصاحب التلمسانية أن القسم يوقف لاتضاح حال الخنثى أهو مشكل أم لا فاتضاح حاله غير اتضاح إشكاله .

( قوله : واستأنف إلخ ) ما ذكره من جعل جملة ( تصحح المسألة مستأنفة ) استئنافا بيانيا غير متعين إذ يصح جعلها مفسرة لقوله نصف نصيبي ذكر وأنثى أي بأن تصحح المسألة وعلى الأول فالجملة خبرية بمعنى الإنشاء وعدل عن صحح إلى تصحح إشارة إلى أن التصحيح كأنه حاصل ويخبر عنه فهو إشارة إلى الحث على امتثال ذلك الأمر ( قوله : أيها القاسم ) أشار إلى أن الفعل مبني للفاعل والمسألة مفعولة بدليل قوله الآتي ثم تأخذ لا أنه مبني للمفعول والمسألة نائب الفاعل ( قوله : المسألة ) أي جنسها المتحقق في متعدد بدليل قوله ثم تضرب الوفق أو الكل إذ هذا إنما يكون في مسألتين ( قوله : أي تعملها على وجه التصحيح ) أي خالية من الكسر ( قوله : فيشمل التقديرين ) لا يقال الجنس يتحقق في واحد كما هو مشهور ، ولا يصح هنا ; لأنا نقول المراد الجنس المتحقق في متعدد بقرينة المقام .

( قوله : أي تصححها على تقدير أنه ذكر إلخ ) اعلم أنه لا حرج في تقديم أي التقديرات قدمت أو أخرت غير أن المصطلح عليه تقديم التصحيح مسألة التذكير . ( قوله : تنظر بين المسألتين ) أي إن كان في الورثة خنثى واحد وقوله أو المسائل أي إن كان في الورثة خناثى ( قوله : وتأخذ من كل نصيب ) في الكلام حذف ، والأصل ثم تقسم الحاصل على مسألتي التذكير والتأنيث وتعرف ما يخص كل وارث من المسألتين وتأخذ إلخ ، وكان الأولى عطفه بما يقتضي الترتيب ; لأن هذا من جملة العمل كالذي قبله ( قوله : مما اجتمع ) أي على التقديرين تقدير الذكورة والأنوثة .

( قوله : من الاثنين النصف ) يحتمل أن يكون مستأنفا جوابا عن سؤال مقدر تقديره ما كيفية الأخذ ؟ فقال تأخذ من الاثنين أي من النصيبين الكائنين في الحالتين المشتمل عليهما الخنثى الواحد ، النصف وتأخذ من الأربعة أنصباء الكائنة على التقادير الأربعة إذا كانت في المسألة خنثيان الربع ، وعلى هذا فمفعول تأخذ في المصنف محذوف وقوله النصف مفعول لتأخذ مقدرا ، وهذا ما ذكره الشارح ويحتمل أن يكون قوله : من الاثنين بدلا من قوله من كل نصيب بدل مفصل من مجمل لا عطف بيان ; لأنه لا يعاد معه حرف الجر بخلاف البدل ويحتمل أن يكون صفة لنصيب أي كان ذلك النصيب من مسألة الاثنين أي التقديرين وعلى هذين الوجهين فقوله النصف مفعول لتأخذ المذكور ( قوله : أي الحالين ) الأولى أي من النصيبين الكائنين في الحالين إلخ ; لأن الأخذ [ ص: 492 ] إنما هو من النصيبين لا من الحالين ( قوله : وتأخذ من أربعة من التقادير ) الأولى وتأخذ من أربعة أنصباء كائنة على التقادير الأربعة إذا كان إلخ ( قوله : إلى أربعة ) أي أحوال الخنثيين ; لأنهما إما ذكران أو أنثيان أو هذا ذكر وذاك أنثى أو العكس ( قوله : وفي كلامه عطف إلخ ) أي ، وهو ممنوع عند المحققين إذا لم يكن أحد العاملين جارا متقدما كما في قولك : في الدار زيد والحجرة عمرو وقد يجاب عن المصنف بأن يقدر عامل قبل قوله ، وأربعة أي ومن أربعة ويكون مجموع الجار والمجرور عطفا على من اثنين المعمول لتأخذ والربع عطف على النصف المعمول لتأخذ أيضا فيكون من باب العطف على معمولي عامل واحد ، ولا يقال إنه يلزم على هذا حذف الجار ، وإبقاء عمله ، وهو ممنوع ; لأنا نقول قد دل عليه فهو جائز ، ولك أن تقدر ( تأخذ ) قبل الربع ويكون من عطف الجمل .

( قوله : فما اجتمع من النصف ) أي نصف النصيبين في الحالين وقوله أو الربع أي ربع الأربعة أنصباء في الأحوال الأربعة ( قوله : من المجموع ) أي مجموع النصيبين أو مجموع الأربعة أنصباء ( قوله : ما حصل لكل وارث ) أي من المسألتين أو المسائل وقوله مما حصل له أي من المسألتين أو المسائل ( قوله : فإن كان بيدك حالان ) أي فإن كان الملحوظ عندك حالين لكون المسألة فيها خنثى واحد ( قوله : نصف ما بيده ) أي نصف ما حصل له من المسألتين .

( قوله : وإن كان أربعة ) أي ، وإن كان الملحوظ عندك أربع حالات لكون المسألة فيها خنثيان ( قوله : فربع ما بيده ) أي فيأخذ كل وارث ربع ما حصل له في المسائل الأربع ( قوله : وإن كانت الأحوال ثمانية ) أي ، وإن كانت الأحوال الملحوظة عندك ثمانية لكون المسألة فيها ثلاث خناثى وقوله فثمن ما بيده أي أخذ كل واحد ثمن ما حصل له من المسائل الثمانية ( قوله : أو عكسه ) أي الآخران ذكران وزيد أنثى وقوله ثانيا أو عكسه أي الآخران ذكران وعمر أنثى ( قوله : ثالثا أو عكسه ) أي الباقيان ذكران وخالد أنثى ( قوله : كتأنيثهم ) أي والمسألتان متماثلتان يكتفي بإحداهما ( قوله : وتذكير أحدهم من أربعة ) وذلك في ثلاث مسائل فهي متماثلة وقوله وتذكير اثنين من خمسة وذلك في ثلاث مسائل فهي متماثلة يكتفى منها بواحدة كالتي قبلها . ( قوله : ثم تضرب ) أي الستون في ثمانية الأحوال يحصل أربعمائة وثمانون ثم تقسم ذلك الحاصل على التقادير الثمانية فما حصل لكل واحد من الأنصباء فله ثمنه ففي كلام الشارح حذف .

( قوله : وكذلك غيره ) هذا غير مستغنى عنه بقوله سابقا فما اجتمع فنصيب كل من الورثة ; لأن هذا من جملة التمثيل لما تقدم فلا يقال [ ص: 493 ] ما تقدم مغن عن هذا .

فإن قلت قوله : وكذلك غيره ينافيه ما مر من أن قوله ، وللخنثى خبر مقدم وقوله نصف نصيبي ذكر وأنثى مبتدأ مؤخر ; لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر أي لا غيره . قلت معناه لا غيره ممن ليس معه ، وأما من معه فإنه يعطى كهو أي نصف نصيبه على تقدير أنوثة الخنثى ونصف نصيبه على تقدير ذكورة الخنثى كما أشار له المصنف بقوله ، وكذلك غيره .

( قوله : ومجموعهما أربعة عشر يعطى نصفها سبعة ) هذا عمل المتقدمين واعترض عليهم ابن خروف بأنه إذا كان للذكر المحقق بمقتضى عملهم سبعة وجب أن يكون نصيب الأنثى ثلاثة ونصفا فنصفهما الذي يستحقه الخنثى خمسة وربع فقد غبن الخنثى بمقتضى عملهم بربع سهم وبالنظر لمراعاة القياس وقطع النظر عن عملهم قد غبن في سبع سهم لا في ربع سهم وذلك ; لأن للخنثى ثلاثة أرباع نصيب الذكر ; لأن نصيب الأنثى نصف نصيب الذكر ، وهو يأخذ نصف نصيب كل منهما ونصف نصيب الذكر ربعان ونصف نصيب الأنثى ربع فإذا قسمت المال ، وهو اثنا عشر على واحد وثلاثة أرباع الواحد للذكر والثلاثة أرباع للخنثى فالقياس بقطع النظر عن العمل السابق أن تبسط المقسوم عليه سبعة أرباع ، وإذا قسمت اثني عشر على سبعة أرباع خرج لكل ربع واحد فللذكر أربعة ، وللخنثى ثلاثة ويفضل من الاثني عشر المقسومة خمسة بخمسة وثلاثين سبعا تقسم على السبعة فللذكر عشرون سبعا باثنين وستة أسباع ، وللخنثى خمسة عشر سبعا باثنين وسبع يكمل للذكر ستة وستة أسباع ، وللخنثى خمسة وسبع . ا هـ .

وما ذكره ابن خروف من اعتراضه على القدماء بأن الخنثى قد غبن بربع سهم على مقتضى عملهم وبسبع بالنظر للقياس وقطع النظر عن عملهم مبني على أن معنى قولهم نصف نصيبي ذكر وأنثى أي ذكر محقق غيره وأنثى محققة غيره وقد علمت مما مر في كلام الشارح أن هذا ليس بمراد ، وإنما معناه نصف نصيب نفسه حال فرضه ذكرا وحال فرضه أنثى وحينئذ فلا غبن على الخنثى أصلا لا بربع ، ولا بسبع ( قوله : وخنثيين ) عود الألف في التثنية ياء لا يوجب أن أصلها ياء بل لارتقائها عن ثلاثة ، وإن كانت غير مبدلة أصلا وقول الشاطبي : وتثنية الأسماء تكشفها ليس كليا ألا ترى لقول الخلاصة :

آخر مقصور تثني اجعله يا إن كان عن ثلاثة مرتقيا كذا الذي اليا أصله نحو الفتى

، وأراد المصنف بالخنثيين ولدين ، وأراد بالعاصب عاصبا يحجب بالابن كالأخ والعم ( قوله : فأربعة أحوال ) مبتدأ خبره محذوف أي في ذلك أربعة أحوال ( قوله : في الأحوال الأربعة ) أي في أحوال الخناثى الأربعة ، وهي تذكيرهما وتأنيثهما وتذكير الأصغر وتأنيث الأكبر وعكسه ( قوله : ثم تجمع ما لكل منهما ) أي ، وهو اثنا عشر في تذكيرهما وثمانية في تأنيثهما ثم ثمانية على تقدير كونه أنثى وتقدير كون الآخر ذكرا ثم ستة عشر على تقدير كونه ذكرا والآخر أنثى .



( قوله : لكل من الخنثيين أحد عشر ) اعترض هذا الشيخ أحمد الزرقاني بأن هذا لا يلتئم مع قوله ، وللخنثى المشكل نصف نصيبي ذكر وأنثى ; لأنك إذا ضممت ما نابه في الذكورة على تقدير ذكورتهما ، وهو اثنا عشر لما نابه في الأنوثة ، وهي ثمانية على تقدير أنوثتهما كان مجموعهما عشرين ونصفها عشرة ، وإذا ضممت [ ص: 494 ] ما نابه في الذكورة على تقدير كونه ذكرا والآخر أنثى ، وهو ستة عشر إلى أنوثته ، وهي ثمانية كان مجموعهما أربعة وعشرين نصفها اثنا عشر ، وأجاب عن ذلك بأن قوله سابقا نصف نصيبي ذكر وأنثى خاص بما إذا كان الخنثى واحدا ، وأما إن تعدد فله ربع أربعة أنصباء ذكور وإناث وقال الشيخ إبراهيم اللقاني بل قوله : وللخنثى المشكل نصف نصيبي ذكر وأنثى المراد بالخنثى الجنس الصادق بالواحد والمتعدد أما أخذ الواحد نصف نصيبي ذكر وأنثى فظاهر ، وأما أخذ المتعدد لما ذكر فلأنه إذا تعدد تضاعفت أحواله وبتضعيفها يحصل لكل واحد نصف نصيبي ذكر وأنثى .

بيان ذلك أنه في المثال المذكور لما تضاعفت الأحوال الأربعة ذكورتين وأنوثتين كان مجموع ما حصل لكل واحد من الخنثيين أربعة وأربعين نصفها اثنان وعشرون نصيب ذكورة وأنوثة ونصفها أحد عشر نصف نصيبي ذكر وأنثى أو يقال إنه لما تضاعفت الأحوال الأربعة ذكورتين وأنوثتين اجتمع له من الذكورتين ثمانية وعشرون فنصفها ، وهو أربعة عشر نصيب ذكورة واحدة واجتمع له من الأنثيين ستة عشر فنصفها وهو ثمانية نصيب أنوثة واحدة ونصف النصيبين أحد عشر ( قوله : ثم ذكر ما يزول به إشكال الخنثى من العلامات ) قيل إن المصنف أخرها ، وإن كان من قبيل التصور إذ بضدها تتميز الأشياء لأجل أن يتحقق حسن الاختتام بقوله فلا إشكال ، وهذه نكتة لفظية ، وأحسن منها أن يقال إنه اهتم بذكر نصيبه أولا خصوصا والبحث له ثم استطرد علامة الإيضاح المفيدة لتصوره بوجه ما ومثل هذا غرض لا يبالى معه بتقديم التصديق على التصوير في الذكر على أنه ربما يكون فيه تشويق للتصوير فيرسخ في النفس عند ذكره ، وإنما الذي لا يصح تخلفه تقديم التصور في الذهن بوجه ما ، وأما في الوضع فأولوي يجوز تركه لنكتة فقولهم : وقدم الأول عند الوضع ليس كليا . ا هـ أمير .

( قوله : فإن بال ) كأنه قال هذا إن لم يبل من أحد فرجيه فإن بال إلخ وفاعل بال ضمير الخنثى لا بقيد كونه مشكلا إذ لا إشكال حينئذ ففيه استخدام على حد قوله :

فسقى الغضا والساكنيه وإن همو شبوه بين جوانحي وضلوعي

أطلق الغضا أولا بمعنى الشجر الأخضر ; لأنه الذي يسقى ، وأعاد عليه ضمير ساكنيه بمعنى المكان وضمير شبوه بمعنى الخشب اليابس الذي يوقد فيه النار ، وإنما عبر بإن التي للشك دون إذا التي للتحقيق ; لأن بول الخنثى من واحد من فرجيه غير محقق فالموضع لإن ، وقدم البول على بقية العلامات ; لأنه الذي ورد في الحديث ، وإن كان ضعيفا كما في ح .

{ سئل صلى الله عليه وسلم عن الخنثى من أين يورث فقال يورث من حيث يبول } ، وهذا من قبيل الإفتاء فلا ينافي أن أول من قضى فيه إسلاما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم إن البول في الأصل مصدر بال استعمل في العين حقيقة لغوية وشرعية فالضمير في قوله أو كان أكثر راجع للبول بمعنى العين فلم يكن المرجع متقدما لا لفظا ، ولا حكما ولا معنى فهو ليس مثل { اعدلوا هو أقرب للتقوى } ; لأن الضمير عائد على العدل الذي هو الحدث المفهوم من اعدلوا ويمكن أن يقال إنه من قبيل اعدلوا مع حذف المضاف أي أو كان البول بمعنى الحدث المفهوم من بال أي متعلقه ، وهو البول بمعنى العين . ا هـ . شيخنا عدوي ( قوله : فلا إشكال فيه ) [ ص: 495 ] ظاهره كان البول قليلا أو كثيرا ; لأن الفعل في قوله النكرة فكأنه قال فإن حصل بول فلا إشكال فيه كان قليلا أو كثيرا .

( قوله : أو كان أكثر ) المعطوف محذوف أي أو بال منهما وكان البول من أحدهما أكثر من الآخر فلا إشكال .

( قوله : كما قال الشعبي ) هو الإمام عامر الشعبي نسبة لشعب حي من اليمن ، وهو من جملة المجتهدين وما ذكره من عدم اعتبار الكثرة بالكيل أو الوزن لا يوافق المذهب إذ الكثرة معتبرة عندنا مطلقا كما قرره شيخنا العدوي ونقله ح عن اللخمي فقول المصنف أو كان أكثر أي خروجا أو قدرا فعند الاختلاف في عدد الخروج فالمعتبر أكثرهما خروجا ، ولو كان أقل قدرا ، وإن تساوى عدد الخروج فالمعتبر أكثرهما قدرا وعلى هذا فأكثر يصدق بماءين قليلين أحدهما زائد عن الآخر فيقال في الزائد إنه أكثر ، وإن لم يشتركا في كثرة بل كل منهما قليل عرفا فإن صح صدق الأكثر بهذا فلا تفصيل ، وإن لم يصح صدقه بهذا بل قلنا إنه يفيد الكثرة فيهما ، ولكن أحدهما أكثر فيقال ويقاس على ذلك ما إذا كانا قليلين ، وكان أحدهما زائدا على الآخر . ا هـ . تقرير شيخنا عدوي .

( قوله : أو كان يخرج من المحلين ) أي على حد سواء في قدر الخروج لكن خروجه من أحدهما أسبق فإن تعارض السبق والكثرة ففي المقدم منهما خلاف كما يأتي ( قوله : أسبق ) يصح أن يكون أفعل تفضيل ويفهم غيره ، وهو ما إذا وجد السبق من أحدهما فقط بالطريق الأولى في حصول الاتضاح ، وهو عطف على أكثر ويصح عطفه على بال ، ولا يقال يمنع من هذا عدم صحة دخول أن على أسبق ; لأنه ليس فعلا ; لأنا نقول يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ( قوله : اعتبر الأكثر ) أي في القدر ( قوله : ثم الاختبار بالبول ) أي مع النظر لعورته لأجل أن يعلم هل بال منهما أو من أحدهما ، وهل بوله من أحدهما أكثر أو أسبق أو لا ( قوله : حيث يجوز النظر لعورته ) أي بأن كان غير مراهق ( قوله : وأما في حال الكبر ) أي بأن كان مراهقا ففوق ( قوله : بأن يبول إلى الحائط ) أي متوجها إليها .

( قوله : أو عليها ) أي أو جالسا عليها ( قوله : فذكر ) أي ; لأن هذا دليل على أنه بال من ذكره ( قوله : ثم مات ) لا مفهوم له ، بل ولو استمر حيا ( قوله : فإن تساوى بوله منهما ) أي في الخروج والقدر والسبق ( قوله : انتظر إلخ ) هذا يقتضي أنه يوقف القسم لاتضاح حاله وقد تقدم أن المعتمد أنه لا يوقف فما ذكره هنا من انتظار البلوغ مبني على ما لابن الحاجب وابن شاس من القول بالوقف وعلى المعتمد يعطى نصف نصيبي ذكر وأنثى حالا ، ولا ينتظر بلوغه تأمل .

( قوله : أو نبتت له لحية ) عطف على بال ففي العطف بأو تشتيت من جهة أن أسبق عطف على أكثر ونبت عطف على بال وقوله لحية بكسر اللام أي لحية عظيمة كلحية الرجال ( قوله : لأن الأصل ) أي الكثير الغالب ومن غير الغالب قد ينبت شعر اللحية من غير البيضة المذكورة كما في لحية المرأة .

( قوله : من البيضة اليسرى ) أي فعملها في الشعر دليل على صحة الذكورة ، وأنها ليست بيضة فاسدة ( قوله : قد ينبت لها لحية ) أي فكيف يجعل نبات اللحية من علامات اتضاح الذكورة ( قوله : أو ثدي ) أي عظيم كثدي النساء والظاهر أن استعمال نبت في الثدي مجاز كما أنه في نبت زيد نباتا حسنا مجاز قطعا وفي نبت الزرع حقيقة قطعا ، وأما في الشعر فيحتمل الحقيقة والمجاز . ا هـ شيخنا عدوي .

( قوله : فإن نبتا ) أي الثدي واللحية ( قوله : عند الأكثر ) نحوه قول ابن عرفة النظر إليها ضعيف لإطباق [ ص: 496 ] علماء التشريح على خلافه بالغين عدد التواتر . ا هـ . أي فهم يقولون الرجل والمرأة متساويان في عدد الأضلاع .

( قوله : وعليه فالمرأة إلخ ) القول الأول لابن يونس والقول الثاني للحوفي ومحصل ما قالاه إن المرأة تزيد ضلعا على الرجل من جهة اليسار باتفاقهما والخلاف بينهما في أن أضلاع الرجل من جهة اليسار ستة عشر ، وهي سبعة عشر أو هو سبعة عشر ، وهي ثمانية عشر وقيل إن زيادة المرأة الضلع على الرجل من جهة اليمين وقد علمت أن أهل التشريح يقولون إنهما سيان فلا تزيد المرأة على الرجل شيئا ( قوله : وسبب ذلك ) أي سبب نقص الرجل ضلعا عن المرأة على كلا القولين ( قوله : ثم استل إلخ ) أي فجرت الذكور على منواله .

( قوله : فخلق منه حواء ) أي ، وكانت على طول آدم ستين ذراعا ، وهل خلقت بهذا الطول ابتداء ، وهو الظاهر ، ولا ينافيه قول الشارح فخرجت منه كما تخرج النخلة من النواة أو تدريجي قال شيخنا العلامة العدوي : لا نص ، وكانت حواء ألين من آدم ، وأجمل صوتا ، وهكذا النساء مع الرجال قيل سميت حواء ; لأنها خلقت من حي قال تعالى : { خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها } أو ; لأن لونها كان حوة ، وهو البياض الذي يميل لحمرة وفي خلقها من آدم إشارة للألفة بينهما لما بين الكل والجزء من الائتلاف أو إلى أن الرجل أصل وألقي عليه النوم عند سل الضلع منه مع قدرة المولى على سله منه يقظة ولا يؤلمه لئلا يرى ما يهوله ، ولتزول عنه الوحشة بأمنة النعاس ، ولينتبه فيجد المؤنس الذي طلبه فجأة وذلك أسر منه بعد الانتظار .

( قوله : فخرجت منه ) أي فخرجت حواء أي من ذلك الضلع وقوله أي بلا تألم مرتبط بقوله ثم استل إلخ لا أنه تفسير لما قبله كما يفيده كلام بعضهم ( قوله : مه ) أي اكفف يدك عنها ( قوله : حتى تؤدي إلخ ) لا يقال المهر لا بد أن يكون متمولا ; لأن الذي زوج حواء لآدم هو المولى ، وهو يفعل ما شاء ( قوله : ينظر إلى شهوته ) أي عند إشكاله بنبات اللحية والثدي معا وبعدم نباتهما وبتساوي المخرجين في البول منهما فالشهوة والميل من جملة العلامات التي يزول بها إشكاله ، وهذا القول نقل عن مالك والشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه قال ويصدق في ذلك ; لأنه أمر لا يعلم إلا من جهته فلا نظر للتهمة .

( قوله : أو حصل حيض ) لم يعطف ( حيض ) على اللحية بل ذكر له عاملا لعدم صحة تسلط العامل الذي هو نبت عليه كذا قيل ، وفيه أنه يصح العطف ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع . ا هـ شيخنا عدوي .

( قوله : أو مني ) أي أو خرج مني أي من فرج الرجال بصفة مني الرجل أو من فرج النساء بصفة مني المرأة .

( قوله : فلا إشكال ) أي فلا لبس فيه بل هو خنثى غير مشكل وقول تت بل هو ذكر محقق أو أنثى محققة أراد محكوم بذكورته وأنوثته فلا ينافي وجود الفرجين وكل من له ذلك فهو خنثى إلا أنه تارة يكون مشكلا وتارة غير مشكل وقوله فلا إشكال جواب أن باعتبار قوله بال الذي هو الشرط الأول وحذف جواب ما عداه لدلالة هذا عليه أو باعتبار الشرط الأخير وحذف جواب ما عداه لدلالته عليه أو باعتبار أحد المتوسطات وحذف جواب ما عداه ثم إن لا في كلام المصنف نافية للجنس ; لأن المسموع فتح لام ( لا إشكال ) فهي لنفي أفراد الجنس على سبيل الاستغراق والخبر محذوف لظهوره أي لا إشكال في ذلك الخنثى بل هو خنثى غير مشكل محكوم [ ص: 497 ] بذكورته إن وجدت فيه علامة الذكورة أو محكوم بأنوثته إن وجد فيه علامتها .

ثم إن في قوله ( فلا إشكال ) براعة مقطع ، وهو أن يأتي المتكلم في آخر كلامه بما يؤذن بانتهائه ، ولو بوجه دقيق كقول أبي العلاء المعري :

بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله ، وهذا دعاء للبرية شامل

وبراعة المقطع تسمى عندهم بحسن الانتهاء والانتهاء مما يتأكد التأنق فيه عند البلغاء ; لأنه آخر ما يعيه السمع ويرتسم في النفس فإن كان مستلذا جبر ما قبله من التقصير كالطعام اللذيذ بعد الأطعمة التفهة وفيه أيضا تعريض بأنه لا إشكال ، ولا إلباس في هذا الكتاب بحسب ما ظهر له أو بحسب التفاؤل أو في المذهب بعد تأليفه ، وهذا المعنى لم يستعمل فيه اللفظ أي لفظ ( فلا إشكال ) لا على طريق الحقيقة ، ولا المجاز ، ولا الكناية ; لأن المعنى المراد من قوله فلا إشكال أي في هذا الخنثى بل هو خنثى غير مشكل فهذا المعنى التعريضي إنما أخذ من عرض الكلام ، وليس للكلام دلالة عليه بالمطابقة ، ولا التضمن ، ولا الالتزام كما قرره شيخنا العدوي .

والدلالة المحصورة في هذه الثلاثة إنما هي الدلالة على المقصود الأصلي المسوق لأجله الكلام كما أشار لتحقيقه العلامة السيد في حواشي المطول وجعل بعضهم قوله فلا إشكال تورية أي لا إشكال في كتابه .

والتورية إطلاق اللفظ الذي له معنيان قريب وبعيد ويراد البعيد اعتمادا على قرينة خفية ; لأن لا إشكال قريب في المعاني بعيد في الخنثى وجعله جوابا عن بال الذي ضميره عائد على الخنثى قرينة خفية فصح أن يكون تورية وفيه أن هذا بعيد غاية البعد كما أن جعله من التوجيه وهو اللفظ المحتمل لأحد معنيين على السواء أي لا إشكال في الخنثى أو لا إشكال في ذلك الكتاب بقطع النظر عن الشرط بعيد أيضا .

واعلم أنه إذا تعارض البول من أحد المخرجين مع نبات اللحية أو مع ما بعده يحصل صور أربعة ففي تلك الصور الأربعة يكون مشكلا ، وإذا تعارضت الأكثرية مع ما بعدها يحصل خمس صور والحكم أنه في تعارض الأكثرية مع الأسبقية قولان قال اللخمي ترجح الأسبقية وقال ابن شاس ترجح الأكثرية والظاهر ما للخمي .

وأما في الأربعة الباقية ، وهي تعارض الأكثرية مع النبات وما بعده فيقدم النبات وما بعده على الأكثرية ، وإذا تعارضت الأسبقية مع الأربعة بعدها فترجح الأربعة التي بعدها عليها في تلك الصور الأربع ، وإذا تعارض نبات اللحية مع ما بعده حصل ثلاث صور ، والحكم فيها أنه إذا تعارض نبات اللحية مع الثدي بأن نبتا معا في آن واحد كان مشكلا ، ولا ترجيح لأحدهما ، وإن تعارض نبات اللحية مع المني من الفرج أو مع الحيض فهو مشكل فيهما على ما استظهره عج ، ولكن الظاهر أنه يقدم الحيض والمني من الفرج على نبات اللحية كما قال شيخنا ، وإذا تعارض الثدي الذي يدل على الأنوثة مع المني من الذكر كان مشكلا كذا قيل ، وقد يقال المني أقوى في الدلالة على الذكورة من دلالة الثدي الكبير على الأنوثة والظاهر أنه لا تعارض ويرجح بالمني من الذكر على نبات الثدي كما أنه لا تعارض بين نبات الثدي والحيض ، وإذا تعارض المني من الذكر والحيض كان مشكلا .

واعلم أن هذا كله إذا حدثت العلامتان في آن واحد ، وأما إن حكم بأنه ذكر لعلامة ظهرت فيه ثم ظهرت فيه علامة أخرى تدل على أنه أنثى أو بالعكس كأن يبول من الذكر ثم يأتيه الحيض أو يبول من الفرج ثم نبتت له لحية فقال العقباني عن بعض شيوخه لم يغير الحكم لأجل العلامة الثانية وارتضاه ح .

وقال عج الذي ينبغي اعتبار الثانية إن كانت أقوى من الأولى كما إذا كانت الأولى كثرة البول أو سبقه والثانية الحمل [ ص: 498 ] أو الحيض أو نبات اللحية ثم لا يخفى أنه إن ولد من ظهره أو من بطنه فأمره واضح ، وإن ولد منهما معا فهو مشكل على ما اختاره بعضهم ، وهذا مقيد بما إذا كانت ولادته من ظهره وبطنه في آن واحد ، وإلا فالعمل بما ثبت له بالمتقدم ، ولا ميراث بين ما ولد له من ظهره وما ولد له من بطنه ; لأنهم لم يجمعهم أب ، ولا أم ، وكذلك يمتنع النكاح بينهم ; لأن ما خلق من مائه بمنزلة ولده في النكاح ، وهل لا يعتق أحدهما على الآخر نظرا لقولنا ; لأنهم لم يجمعهم أب ولا أم أو يعتق انظر في ذلك ، ولو وطئ فرجه بذكره فولد له فهو مشكل وترثه أولاده بالأبوة والأمومة ، وهو يرثهم ، وهم إخوة أشقاء قاله شيخنا العلامة العدوي رحمه الله ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .




الخدمات العلمية