الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وبجامع ) الباء بمعنى في ( مبني ) بناء معتادا لأهل البلد فيشمل بناؤه من بوص لأهل الأخصاص [ ص: 374 ] فلا تصح في براح حجر بأحجار مثلا ولا فيما بني بما هو أدنى من بناء أهل البلد كما يأتي قريبا ويشترط أيضا أن يكون داخل البلد أو قريبا منها بالعرف ( متحد ) فإن تعدد لم تصح في الكل ( والجمعة للعتيق ) أي ما أقيمت فيه أولا ولو تأخر بناؤه ( وإن تأخر ) العتيق ( أداء ) بأن أقيمت فيهما وفرغوا من صلاتها في الجديد قبل جماعة العتيق فهي في الجديد باطلة ومحل بطلانها في الجديد ما لم يهجر العتيق وما لم يحكم حاكم بصحتها في الجديد تبعا لحكمه بصحة عتق عبد معين مثلا علق على صحة الجمعة فيه وما لم يحتاجوا للجديد [ ص: 375 ] لضيق العتيق وعدم إمكان توسعته فليتأمل ( لأذى بناء خف ) بأن يكون أدنى من بنيان أهل البلد فعلم أنشرطه البناء المعتاد والاتحاد ( وفي اشتراط سقفه ) المعتاد لا صحته لصحتها فيه وعدم اشتراطه وهو المعتمد تردد ( و ) في اشتراط ( قصد تأبيدها ) أي الجمعة ( به ) وعدمه وهو الأرجح تردد ومحل قصد التأبيد على القول به حيث نقلت من مسجد إلى آخر أما إن أقيمت فيه ابتداء فالشرط أن لا يقصدوا عدمه بأن قصدوا التأبيد أو لم يقصدوا شيئا ( و ) في اشتراط ( إقامة ) الصلوات ( الخمس ) لصحتها به فإن بني على أن لا تقام إلا الجمعة أو تعطلت به الخمس عنه لم تصح به وعدم اشتراطه فتصح وهو المعتمد ( تردد ) حذفه من الأوليين لدلالة هذا عليه ( وصحت ) لمأموم لا لإمام صلى ( برحبته ) وهي ما زيد خارج محيطه لتوسعته ( وطرق متصلة ) به [ ص: 376 ] من غير حائل من بيوت أو حوانيت ومثلها دور وحوانيت غير محجورة وكذا مدرسة فيما يظهر كالمدارس التي حول جامع الأزهر ومحل الصحة بهما ( إن ضاق ) الجامع ( أو اتصلت الصفوف ) ولم يضق لمنع التخطي بعد جلوس الخطيب على المنبر ( لا انتفيا ) أي الضيق والاتصال فلا تصح والمعتمد الصحة مطلقا لكنه عند انتفائهما قد أساء والظاهر الحرمة وشبه في عدم الصحة قوله ( كبيت القناديل ) لأنه محجور ( وسطحه ) ولو ضاق ( ودار وحانوت ) متصلين إن كانا محجورين وإلا صحت كما مر

التالي السابق


( قوله وبجامع إلخ ) [ ص: 374 ] نص أبي الحسن عن المقدمات وأما المسجد فقيل إنه من شرائط الوجوب والصحة معا كالإمام والجماعة وهذا على قول من يرى أنه لا يكون مسجدا إلا إذا كان مبنيا وله سقف إذ قد يعدم مسجد يكون على هذه الصفة وقد يوجد فإذا عدم فلا تجب الجمعة فصح كونه من شرائط الوجوب لتوقفه عليه وإذا وجد صحت الجمعة فيه فلذا كان من شرائط الصحة ، وعلى قياس هذا أفتى الباجي في أهل قرية إن هدم مسجدهم وبقي لا سقف له فحضرت الجمعة قبل أن يبنوه أنه لا يصح لهم أن يجمعوا فيه وهذا بعيد لأن المسجد إذا جعل مسجدا لا يعود غير مسجد إذا انهدم وإن كان لا يصح أن يسمى الموضع الذي يتخذ لبناء المسجد فيه مسجدا قبل أن يبنى وهو فضاء ، وقيل إن المسجد بالأوصاف المذكورة من شرائط الصحة دون الوجوب وهذا على قول من يقول إن المكان من الفضاء يكون مسجدا ويسمى مسجدا بمجرد تعيينه وتحبيسه للصلاة فيه فلا يعدم موضع يصح أن يتخذ مسجدا وحينئذ فما يكون بالأوصاف المذكورة لا يكون إلا شرط صحة

والحاصل أن وجوب الجمعة منوط بوجود الجامع والجامع موجود متحقق بمجرد التعيين والتعيين لا كلفة فيه فصار الجامع متقررا بالأصالة وصحتها ليست منوطة بمجرد تحقق الجامع المتحقق بالتعيين بل بالأوصاف المشار لها بقوله مبني إلخ حينئذ فلا يكون الجامع بالأوصاف المذكورة إلا شرط صحة ( قوله فلا تصح في براح حجر ) أي أحيط بأحجار مثلا من غير بناء لأن هذا لا يسمى مسجدا لأنه إنما يتقرر مسمى المسجد إذا كان ذا بناء وسقف على المعتمد وعليه فقول المصنف " مبني " وصف كاشف إلا أن يلاحظ قوله " بناء معتادا " وإلا كان مخصصا ( قوله أو قريبا منها ) أي بحيث ينعكس عليه دخانها وحده بعضهم بأربعين ذراعا أو باعا فلو كان بعيدا عنها فلا تصح فيه ما لم يكن بني أولا قريبا منها فتهدم ما بينه وبينها من البنيان وصار بعيدا فإن كان كذلك فلا يضر بعده ( قوله متحد ) أي فلا يجوز تعدده على المشهور ولو كان البلد كبيرا مراعاة لما كان عليه السلف وجمعا للكل وطلبا لجلاء الصدور ، ومقابله قول يحيى بن عمر بجواز تعدده إن كان البلد كبيرا وقد جرى العمل به ( قوله والجمعة للعتيق ) أي ولا تصح في الجديد ولو صلى فيه السلطان فإن كان لم يكن هناك عتيق بأن بنيا في وقت واحد ولم يصل في واحد منهما صحت الجمعة فيما أقيمت فيه بإذن السلطان أو نائبه فإن أقيمت فيهما بغير إذنه صحت للسابق بالإحرام إن علم وإلا حكم بفسادها في كل منهما كذات الوليين ووجب إعادتها للشك في السبق جمعة إن كان وقتها باقيا وإلا ظهرا ( قوله أي ما أقيمت فيه أولا ) أشار بهذا إلى أن العتاقة تعتبر بالنسبة للصلاة لا بالنسبة للبناء ( قوله وإن تأخر أداء ) أي فعلا يعني في غير الجمعة الأولى التي أثبتت له كونه عتيقا وقوله وإن تأخر العتيق أداء أي وأولى إذا ساوى الجديد أو سبقه في الأداء ( قوله ما لم يهجر العتيق ) أي وينقلوها للجديد فإن هجر العتيق وصلوها في الجديد فقط صحت كما قال اللخمي وظاهره كأن هجر العتيق لغير موجب أو لموجب كخلل حصل فيه وظاهره دخلوا على دوام هجران العتيق أو على عدم دوام ذلك فإن رجعوا بعد الهجران للعتيق مع الجديد فالجمعة للعتيق اللهم إلا أن يتناسى العتيق بالمرة وإلا كان الحكم للثاني كذا قرر شيخنا ( قوله وما لم يحكم حاكم بصحتها في الجديد تبعا لحكمه بصحة عتق عبد معين إلخ ) الأولى تبعا لحكمه بعتق عبد إلخ ( قوله علق ) أي ذلك العتق ( وقوله فيه ) أي في الجديد وحاصله أن باني المسجد أو غيره يقول لعبد معين مملوك له إن صحت صلاة الجمعة في هذا المسجد فأنت حر فبعد [ ص: 375 ] الصلاة فيه يذهب ذلك العبد إلى قاض حنفي يرى صحة التعدد فيقول ادعى علي سيدي أنه علق عتقي على صحة صلاة الجمعة في ذلك المسجد ويثبت عنده أنه صلى في المسجد جمعة صحيحة فيقول ذلك القاضي لاعتقاده صحتها في الجديد حكمت بعتقك فيسري حكمه بالعتق إلى صحة الجمعة المعلق عليها العتق لا فرق بين الجمعة السابقة على الحكم والمتأخرة عنه فالحكم بالصحة تابع للحكم بالعتق لأن الحكم بالمعلق يتضمن الحكم بحصول المعلق عليه وإنما لم يحكم بالصحة من أول الأمر لأن حكم الحاكم لا يدخل العبادات استقلالا بل تبعا كما للقرافي وهو المعتمد خلافا لابن راشد حيث قال حكم الحاكم يدخلها استقلالا كالمعاملات ( قوله لضيق العتيق ) أي أو لحدوث عداوة فإذا حصلت عداوة بين أهل البلد وصاروا فرقتين وكان الجامع الذي في البلد في ناحية فرقة وخافت الفرقة الأخرى على نفسها إذا أتوا ذلك الجامع فلهم أن يحدثوا جامعا في ناحيتهم ويصلون فيه الجمعة فإن زالت العداوة فلا تصح الجمعة للكل لا في العتيق فإن عادت العداوة صحت في الجديد لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما وقد أشار لما قلناه عج وقرر شيخنا أيضا ( قوله فليتأمل ) أشار بهذا لما يرد على الشرط الثالث من البحث وحاصله أنه لا يتأتى الاحتياج للجديد لضيق العتيق لأن العتيق إذا ضاق يوسع ولو بالطريق والمقبرة ويجبر الجار على البيع لتوسعته ولو وقفا ويمكن الجواب أن الكلام يفرض فيما لو كان العتيق بجوار بحر أو جبل فلا يمكن توسعته أو ليس بجوارهما لكن توسعته تؤدي للاختلاط على المصلين لكثرة المستمعين مثلا ا هـ تقرير عدوي ( قوله وفي اشتراط سقفه ) أي في اشتراط دوام سقفه وعدم اشتراط ذلك فإن الذي يدل عليه نقل المواق عن الباجي وابن رشد أن التردد بينهما إنما هو في الدوام مع اتفاقهما على أنه لا يسمى مسجدا إذا بني ابتداء إلا إذا كان مسقوفا فإذا هدم مسجد فهل يزول عنه اسم المسجدية وهو ما للباجي أولا وهو ما لابن رشد ( قوله لصحتها فيه ) أي اتفاقا والحال أنه غير مسقوف ( قوله وعدم اشتراطه ) أي وعدم اشتراط دوام سقفه فتصح فيما هدم سقفه والذي ذكره الشيخ سالم وتت وعج أن التردد في الابتداء والدوام والذي رجحه ح عدم اشتراطه ابتداء ودواما كما في حاشية شيخنا ( قوله وعدمه ) أي وعدم اشتراط قصد تأبيدها به ( قوله ومحل قصد التأبيد إلخ ) أي ومحل اشتراط قصد التأبيد ( قوله فالشرط أن لا يقصدوا عدمه ) أي عدم التأبيد ( قوله أو تعطلت به الخمس ) لا بد من تقييد التعطيل بكونه لغير عذر وأما لعذر فالصحة محل اتفاق لأن ابن بشير القائل بالشرطية معترف بأن التعطيل إذا كان لعذر فإنه يغتفر قاله طفى ( قوله وعدم اشتراطه فتصح ) أي في مسجد بني لقصد إقامة الجمعة فقط وفيما بني لها ولغيرها ثم تعطل غيرها ولو لغير عذر وكلام المصنف يوهم أن هذا المقابل مصرح به وليس كذلك بل إنما أشار بالتردد في هذا الفرع الأخير لما ذكر ابن بشير من الاشتراط وسكوت غيره عنه فنزل ذلك منزلة التصريح بعدم اشتراطه إذا لو كان شرطا لنبهوا عليه ( قوله لا لإمام ) أي ولو ضاق المسجد فلا بد في صحتها من كون صلاة الإمام والخطبة بالمسجد ( قوله وطرق متصلة ) أي ولا حد لها ولو قدر ميلين ولا فرق بين كونها مساوية للمسجد أو كان مرتفعا عنها بحيث ينزل لها منه بدرج كما قال شيخنا وظاهره صحتها في الطرق ولو كان فيها أرواث دواب وأبوالها لكن قيده عبد الحق بما إذا لم تكن عين النجاسة فيها قائمة وإلا أعاد أبدا إذا وجد ما يبسطه عليها وإلا كان كمن صلى بثوب نجس لا يجد غيره ، انظر طفى . وقد يقال ليس الكلام [ ص: 376 ] الآن في الصلاة عليها بل الكلام في ضرر الفصل بها خلافا لمن قال إن الفاصل النجس يضر كالحنفية ( قوله من غير حائل من بيوت أو حوانيت ) فلو فصل بين حيطانه وبين الطرق بحوانيت كالجامع الأزهر بمصر من ناحية باب المغاربة فظاهره أنه يضر وهو ما يفيده كلام الشيخ سالم واستظهر شيخنا عدم الضرر إذا صلى على مساطب تلك الحوانيت ( قوله ومثلها ) أي مثل الطرق المتصلة في صحتها بها دور إلخ وهذا يفيد أن قول المصنف إن ضاق إلخ ليس مختصا بالطرق والرحاب بل هو شرط في كل ما خرج عن المسجد منها ومن غيرها وهو كذلك في المدونة ولذا أتى ابن عرفة بعبارة عامة فقال وخارجه غير محجور مثله إن ضاقت واتصلت الصفوف ا هـ طفى ( قوله كالمدارس التي حول الجامع الأزهر ) أي وأما الأروقة التي فيه فهي منه فتصح الجمعة فيها ما لم تكن محجورة وإلا كانت كبيت القناديل ومقامات الأولياء التي في المسجد كمقام أبي محمود الحنفي والحسين والسيدة فهي من قبيل الطرق المتصلة فتصح فيها الجمعة ولو كان ذلك المقام لا يفتح إلا في بعض الأوقات كذا قرر شيخنا العدوي ( قوله والمعتمد الصحة مطلقا ) أي لأن هذا مذهب مالك في المدونة وسماع ابن القاسم كما في المواق عن ابن رشد ( قوله والظاهر الحرمة ) الذي استظهره شيخنا العدوي أن إساءته بالكراهة الشديدة لا بالحرمة ( قوله كبيت القناديل إلخ ) في معنى ذلك بيت الحصر والبسط والسقاية لأنها محجورة وظاهره عدم الصحة في بيت القناديل ولو مع ضيق المسجد هذا وقد بحث القاضي سند في ذلك بأن أصله من المسجد وإنما قصر على بعض مصالحه فهو أخف من الصلاة في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فإن نساءه كن يصلين الجمعة في حجرهن على عهده وإلى أن متن وهي أشد تحجيرا من بيت القناديل وقد يجاب بأن هذا من خصوصيات أمهات المؤمنين فلما شدد عليهن في لزوم الحجرات كما قال تعالى { وقرن في بيوتكن } جوز لهن صلاة الجمعة فيها ( قوله وسطحه ولو ضاق ) أفهم كلامه صحتها بدكة المبلغين وهو كذلك إن لم تكن محجورة والقول بعدم صحتها على سطح المسجد مطلقا لابن القاسم في المدونة ويعيد أبدا ابن شاس وهو المشهور والفرق بين سطحه والطرق أن الطرق متصلة بأرضه وقيل بصحتها عليه مطلقا وهو لمالك وأشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ قالوا إنما يكره ابتداء وقيل بصحتها عليه للمؤذن لا لغيره وهو لابن الماجشون أيضا وقيل إن ضاق المسجد جازت الصلاة على سطحه وهو قول حمديس ( قوله إن كانا محجورين ) أي ولو أذن أهلهما بالدخول للصلاة فيهما




الخدمات العلمية