الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولها شروط ستة أشار لأولها بقول ( إن نويت ) الخلطة أي نواها كل واحد منهما أو منهم لا واحد فقط وفي الحقيقة الشرط عدم نية الفرار ولثانيها وثالثها بقوله ( وكل حر مسلم ) [ ص: 440 ] فإن فقدا أو أحدهما فلا عبرة بالخلطة وزكى محصل الشروط زكاة انفراد ولرابعها بقوله ( ملك نصابا ) وخالط به أو ببعضه ولخامسها بقوله ( بحول ) أي ملكا مصاحبا لمرور الحول من يوم ملكه أو زكاه فلو حال على ماشية أحدهما دون الآخر ولم تؤثر الخلطة ولا يشترط مرور الحول من يوم الاختلاط بل يكفي اختلاطهما في الأثناء ما لم يقرب جدا كشهر ولسادسها بقوله ( واجتمعا ) أي المالكان ( بملك ) للذات ( أو منفعة ) بإجارة أو إباحة للناس كنهر ومراح ومبيت بأرض موات أو بإعارة ولو لفحل يضرب في الجميع أو لمنفعة راع تبرع لهما بها ( في الأكثر ) وهو ثلاثة أو أكثر ( من ) خمسة أشياء ( ماء ) مباح أو مملوك لهما أو لأحدهما ولا يمنع الآخر كما مر ( ومراح ) بالفتح المحل الذي تقيل فيه أو تجتمع فيه ثم تساق منه للمبيت وأما المحل الذي تبيت فيه فبالضم وسيأتي ( ومبيت ) ولو تعدد إن احتاجت له ( وراع ) لجميعها أو لكل ماشية راع وتعاونا ولو لم يحتج لهما ( بإذنهما ) وإلا لم يصح عده من الأكثر ( وفحل ) يضرب في الجميع إن كانت من صنف واحد ( برفق ) راجع للجميع كما تبين ( و ) إن أخذ الساعي من أحد الخليطين ما عليهما وأكثر مما عليه ( راجع المأخوذ منه شريكه ) يعني رجع على خليطه ( بنسبة عدديهما ) بأن تفيض قيمة المأخوذ على عدد ما لكل منهما ويرجع المأخوذ منه على الآخر بما عليه [ ص: 441 ] إن لم ينفرد أحدهما بوقص كتسع من الإبل لأحدهما وللثاني ست فعليهما ثلاث شياه على صاحب التسعة ثلاثة أخماسها وعلى الآخر خمساها لأن خمس الخمسة عشر ثلاثة بل ( ولو انفرد وقص لأحدهما ) كتسع لأحدهما وللآخر خمس فعليهما شاتان على صاحب التسعة تسعة أسباع وعلى صاحب الخمسة خمسة أسباع فالمأخوذ منه يرجع على صاحبه بما عليه والرجوع يكون ( في القيمة ) يوم الأخذ وشبه في التراجع بنسبة العددين .

التالي السابق


( قوله وفي الحقيقة إلخ ) هذا جواب عما يقال إن النية الحكمية كافية وتوجههما للخلطة نية لها حكما وحينئذ فلا يمكن خلطة بدون نية فلا حاجة لاشتراطها وحاصل الجواب أن المراد بنية الخلطة عدم نية الفرار بالخلطة ( قوله عدم نية الفرار ) أي أن لا ينويا أو أحدهما الفرار بالخلطة [ ص: 440 ] من تكثير الواجب لتقليله سواء نويا الخلطة أم لا ( قوله فإن فقدا ) بأن كان أحد الخليطين عبدا كافرا وقوله أو أحدهما أي بأن كان أحد الخلطين عبدا مسلما أو حرا كافرا والخليط الثاني حر مسلم .

( قوله وخالط به أو ببعضه ) أي صاحب نصاب فيضم ما لم يخالط به إلى مال الخلطة ويزكي الجميع زكاة مالك واحد وكذا لو كان عند كل نصاب وخلط كل بعض نصابه ببعض نصاب الآخر بحيث صار ما وقع فيه الخلطة نصابا هذا ظاهر كلام المصنف لأنه قال ملك نصابا ولم يقل خلط بنصاب وهو الموافق لما قاله ابن عبد السلام وعليه يتمشى قول المصنف الآتي وذو ثمانين إلخ واعتمده بن وشيخنا العدوي وضعفا قول التوضيح شرط الخلطة أن يكون لكل واحد نصاب وخالط به ( قوله مصاحبا لمرور الحول ) أي فالمشترط إنما هو مصاحبة الحول للملك لا للخلطة ، واعلم أن الحول الذي يزكي في آخره الخليطان ابتداؤه من وقت الخلطة إن كان كل من الخليطين ملك النصاب حينها ومن وقت الملك أو التزكية له إن كان ذلك قبلها متفقا عليه وإلا زكى كل على انفراده ( قوله لم تؤثر الخلطة ) أي ويزكي من حال الحول على ماشيته زكاة انفراد ولا زكاة على من لم يجاوز ملكه حولا .

( قوله بل يكفي إلخ ) أي فإذا مكثت الماشية عند كل واحد ستة أشهر ثم اختلطا ومضت ستة أشهر من الخلطة زكيا زكاة خلطة لأن الحول قد صاحب الملك وإن لم يصاحب الخلطة ( قوله أو منفعة ) أي أو ملك منفعة وهو عطف على مقدر كما أشار له الشارح

واعلم أن ملك رقبة الخمس متأت وكذلك ملك منفعتها بإجارة أو إعارة وأما ملك المنفعة بالإباحة لعموم الناس فإنما يتأتى في البعض أعني الماء والمراح والمبيت كما أشار لذلك الشارح ( قوله مراح ) أي فلا بد أن يكون مملوكا لهما ذاتا أو منفعة أو أحدهما يملك نصف ذاته والآخر يملك نصف منفعته وكذا يقال فيما بعد .

( قوله ثم تساق منه للمبيت ) أي أو للسروح ( قوله ولو تعدد ) أي وكذا يقال في المراح .

والحاصل أنه إذا كان كل من المبيت والمراح متعددا فلا يضر بشرط الحاجة لذلك ( قوله ولو لم يحتج لهما ) أي لقلة الماشية على المعتمد خلافا للباجي حيث قال لا بد من اشتراط الاحتياج في تعدد الراعي وهو الذي صححه في التوضيح ولم يذكر المواق غيره لكن اعترض ابن عرفة كلام الباجي بأنه خلاف ظاهر نقل الشيخ عن ابن حبيب وابن القاسم من الاكتفاء بالتعاون في تعدد الراعي كثرت الغنم أو قلت ( قوله بإذنهما ) أي للراعي في الرعي إن كان الراعي واحدا أو للرعاة في التعاون إن تعددوا .

( قوله وإلا لم يصح إلخ ) أي وإلا يكن هناك إذن من المالكين للراعي بأن اجتمعت مواش بغير إذن أربابها واشترك رعاتها في الرعي والمعاونة لم يصح عد الراعي من الأكثر لأن أرباب الماشية لم تجمع فيه فلا بد من اجتماعهما في ثلاثة غيره ( قوله وفحل ) أي كأن يكون واحدا مشتركا أو مختصا بأحدهما يضرب في الجميع أو لكل ماشية فحل يضرب في الجميع أيضا ( قوله إن كانت إلخ ) أي وإلا فلا يشترط ذلك أي الاجتماع في الفحل لأنه لا يتأتى ضرب الفحل في جميعها حينئذ ( قوله برفق ) أي بقصد الترافق والتعاون في جميع ما تقدم لا بقصد الفرار من الزكاة .

( قوله راجع للجميع ) والمراد به بالنسبة للمبيت والمراح الارتفاق بكل من الموضعين إن تعدد وبالنسبة للماء الاشتراك في منفعة الماء كأن يملكا بئرا أو يستأجراه على أخذ قدر معلوم ككل يوم مائة دلو مثلا أو يستأجر أحدهما من الآخر لأنه يجوز الاستئجار على شرب يوم أو يومين مثلا كل يوم كذا وفي الفحل جعل مالكه إياه يضرب في الجميع وفي الراعي التعاون حيث تعدد .

( قوله يعني رجع إلخ ) أشار بهذا إلى أن المفاعلة على غير بابها وأن المراد بشريكه خليطه ولو قال المصنف ورجع المأخوذ منه على صاحبه كان أولى ( قوله بنسبة عدديهما ) أي [ ص: 441 ] بنسبة عدد كل منهما لمجموع العددين ( قوله إن لم ينفرد أحدهما بوقص ) أي بأن كان لا وقص لأحدهما كما لو كان لكل منهما خمسة من الإبل أو كان لكل منهما وقص ثم إن ظاهر المصنف أنه إذا كان الوقص بين الجانبين يتفق على رجوع المأخوذ منه على صاحبه بالنسبة سواء كان يتلفق من مجموع الوقصين نصاب كتسعة وستة أو كان لا يتلفق منهما نصاب كثمانية وستة ومثله في التوضيح اغترارا بظاهر ابن الحاجب وليس كذلك بل إن كان يتلفق من مجموع الوقصين نصاب كان رجوع المأخوذ منه على صاحبه بالنسبة باتفاق وإن كان لا يتلفق منهما نصاب فهو من محل الخلاف كما لو انفرد أحدهما بالوقص كما ذكره ابن عرفة وابن عبد السلام والباجي وغيرهم فلو قال المصنف ولو بوقص غير مؤثر كما قال ابن عرفة لأجاد ا هـ بن ( قوله على صاحب التسعة ثلاثة أخماسها ) أي الثلاث شياه لأن نسبة التسعة للخمسة عشر ثلاثة أخماس ونسبة الستة للخمسة عشر مجموع الماشيتين خمسان فإذا أخذ الساعي الثلاث شياه من صاحب التسعة رجع على صاحب السته بخمسي قيمتهما وإن أخذها من صاحب الستة رجع على صاحب التسعة بثلاثة أخماس قيمتها .

( قوله بل ولو انفرد وقص لأحدهما ) أي بناء على المشهور من أن الأوقاص مزكاة فإذا كان لأحد الخليطين تسع وللآخر خمس فكان مالك يقول على كل واحد منهما شاة ثم رجع إلى القول بأن على صاحب التسع شاة وسبعين وعلى الآخر خمسة أسباع شاة والقولان في المدونة والأخير منهما هو المشهور فلذا مشى المصنف عليه ورد على القول الأول بلو .

( قوله على صاحب التسعة تسعة أسباع ) وذلك لأن الأربعة عشر بعيرا إذا قسمت عليها الشاتان الواجبتان فيها خرج سبع شاة فكل بعير من الأربعة عشر عليه سبع شاة فإذا اعتبرت الأربعة عشر سبعا ونسبت تسعة إليها كانت تسعة أسباع وإذا نسبت خمسة إليها كانت خمسة أسباع فإذا أخذ الساعي الشاتين من صاحب التسعة رجع على صاحبه بنسبة الخمسة للأربعة عشر وهو سبعان ونصف سبع الشاتين وذلك خمسة أسباع شاة وإن أخذهما من صاحب الخمسة رجع على صاحبه بنسبة التسعة للأربعة عشر ذلك أربعة أسباع ونصف سبع الشاتين وهو تسعة أسباع شاة واحدة وذلك شاة كاملة وسبعان .

( قوله والرجوع يكون في القيمة ) أي في قيمة ما أخذه الساعي وأشار الشارح بقوله والرجوع يكون إلى أن قول المصنف في القيمة متعلق براجع . واعلم أن الواجب على المرجوع عليه إما أن يكون جزءا من شاة أو شاة فالأول كما إذا كان لأحدهما تسع من الإبل وللآخر خمسة وفي هذه الحالة يتفق ابن القاسم وأشهب على أن الرجوع في القيمة لكن ابن القاسم يقول تعتبر القيمة يوم الأخذ بناء على أن أخذ الشاة عنهما في معنى الاستهلاك فكان أحدهما استهلكها على دافعها ومن استهلك شيئا لزمه قيمته يوم الاستهلاك وقال أشهب يوم التراجع بناء على أن المرجوع عليه كالمتسلف ومن تسلف شيئا وعجز عن رده وأراد أن يرد قيمته تعتبر قيمته يوم القضاء وأما إن كان الواجب المرجوع عليه شاة كما لو كان لأحدهما خمسة عشر وللآخر خمسة فاختلف ابن القاسم وأشهب فقال ابن القاسم إن الرجوع في القيمة يوم الأخذ كالجزء لأنه بمعنى الاستهلاك وقال أشهب يرجع بمثلها بناء على أن الرجوع عليه كالمتسلف فقول الشارح والرجوع في القيمة يوم الأخذ أي عند ابن القاسم سواء كان الرجوع بجزء أو بشاة كاملة خلافا لأشهب فيهما .




الخدمات العلمية