الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 393 ] 78 - الأسئلة الوزيرية وأجوبتها

            بسم الله الرحمن الرحيم

            الحمد لله مجيب السائلين . ما يقول علامة الزمان ، والفائق على سائر الأقران ، في الجواب عن أسئلة على وجه يرتفع عنها غريب الإشكال حتى تهدي الطالب لوجه الحق فيها على أحسن حال ؟

            الأول : هل الوضع في أسماء الإشارة للمعنى العام أو للخصوصيات المشتركة ؟

            فإن قلت : بالأول ورد أنه لا يجوز إطلاقها عليه إذ لا يطلق إلا على الخصوصيات ، فلا يقال هذا والمراد أحد مما يشار إليه ، ولو كان كما يقول لجاز ذلك كما في رجل مع أنه يلزم أن يكون استعماله في الخصوصيات مجازا ولا قائل به . وإن قلت : إنه موضوع للخصوصيات لزمك أن يكون المعنى مشتركا لفظيا ولا قائل به مع أنه يشار به إلى أمر كلي مذكور وذلك ينافي وضعه للخاص .

            الثاني : إطلاق العام وإرادة الخاص أحقيقة أم مجاز ؟ فإن قلت : بالأول أورد أنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له فكيف يكون حقيقة ؟ وإن قلت : بالثاني ورد ما ذكره بعض المحققين من أنه قد يكون في هذه الحالة حقيقة ، الثالث : هل الإنسان بالنسبة إلى الأب والابن مشكك أم متواطئ ؟ الرابع : هل ينطبق على مجاز الزيادة والنقصان تعريف المجاز بأنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة أم لا ؟ الخامس : أن العلاقة في مثل قوله تعالى : ( وجزاء سيئة سيئة ) ما هي ومن أي الأنواع المذكورة في العلاقة ؟ السادس : وهو أعظمها إشكالا كيف صح التكليف بالإيمان مع أن الإيمان في الشرع هو التصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وكل تصديق فهو كيف ، فالإيمان كيف ولا شيء من الكيف بمكلف به فلا شيء من الإيمان بمكلف به ، أما الصغرى فواضحة ، وأما الكبرى فلما تقرر في الأصول من أنه لا تكليف إلا بفعل ؟ والمسئول من الأستاذ المحقق والمولى المدقق كشف الحجاب عن هذه الأسئلة بإيضاح الصواب .

            الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وردت علي هذه الأسئلة من مولى لا يخفى على مثله جوابها ولا يطلب من غيره صوابها ، غير أنه قصد بذلك [ ص: 394 ] تجديد العهد القديم وتذكير الود القديم ، فأقول والله الهادي إلى صراط مستقيم هذه الأسئلة كلها مسطورة وأجوبتها معروفة مشهورة .

            أما السؤال الأول : فقد ذكره وجوابه القرافي علامة المالكية لكن في المضمر فقال : اختلف الفضلاء في مسمى المضمر حيث وجد هل هو جزئي أو كلي ؟ فقال الأكثرون : مسماه جزئي واحتجوا بإجماع النحاة على أنه معرفة ، ولو كان مسماه كليا لكان نكرة ، وبأنه لو كان كليا كان دالا على ما هو أعم من الشخص المعين ، والقاعدة العقلية أن الدال على الأعم غير دال على الأخص ، فيلزم أن لا يدل المضمر على شخص خاص البتة وليس كذلك ، وهذا معنى قول السائل حفظه الله - وإن قلت بالأول - ورد أنه لا يجوز إطلاقها عليه إلى آخره .

            ثم قال القرافي : وذهب الأقلون وهو الذي أجزم بصحته إلى أن مسماه كلي قال : والدليل عليه أنه لو كان مسماه جزئيا لما صدق على شخص آخر إلا بوضع آخر كالإعلام ، فإنها لما كان مسماها جزئيا لم يصدق على غير من وضعت له إلا بوضع ثان ، فإذا قال قائل : أنا فإن كان اللفظ موضوعا بإزاء خصوصه من حيث هو هو وخصوصه ليس موجودا في غيره فيلزم أن لا يصدق على غيره إلا بوضع آخر ، وإن كان موضوعا لمفهوم المتكلم بها وهو قدر مشترك بينه وبين غيره والمشترك كلي فيكون لفظ أنا حقيقة في كل من قال أنا لأنه متكلم بهذا الذي هو مسمى اللفظ ، فينطبق ذلك على الواقع ، قال : والجواب عما احتج به الأولون أن دلالة اللفظ على الشخص المعين لها سببان : أحدهما وضع اللفظ بإزاء خصوصه فيفهم الشخص حينئذ للوضع بإزاء الخصوص وهذا كالعلم .

            والثاني : أن يوضع اللفظ بإزاء معنى عام ويدل الواقع على أن مسمى اللفظ محصور في شخص معين ، فيدل اللفظ عليه لانحصار مسماه فيه لا للوضع بإزائه ، ومن ذلك المضمرات وضعت العرب لفظة أنا مثلا لمفهوم المتكلم بها ، فإذا قال القائل أنا - فهم هو - لأن الواقع أنه لم يقل هذه اللفظة الآن إلا هو ففهمناه لانحصار المسمى فيه لا للوضع بإزائه - وكذلك بقية المضمرات - قال : وبهذا يحصل الجواب عن القاعدة العقلية أن اللفظ الموضوع لمعنى أعم لا يدل على ما هو أخص منه ، فإن الدلالة لم تأت من اللفظ ، وإنما أتت من جهة حصر الواقع المسمى في ذلك الأخص - هذا كلام القرافي ملخصا - وما قاله في المضمرات بعينه في اسم الإشارة ، وقول السائل حفظه الله : إن قلت بالأول ورد كذا ، وإن قلت بالثاني لزم أن يكون مشتركا لفظيا ولا قائل به إلى آخره .

            [ ص: 395 ] جوابه : أنه ليس من باب المشترك ولا من باب المجاز ، بل من باب الوضع للقدر المشترك ، والوضع للقدر المشترك معروف في الأصول في مواضع ، فليس الوضع منحصرا فيما ردده السائل ، فهذا مثلا وضع لمشار إليه مفرد ذكر حاضر أو في حكمه وهو مفهوم كلي ، وانحصاره في خاص ليس للوضع بإزائه ، بل لأن المتكلم لم يشر به الآن إلا لزيد مثلا ، وهذا معنى قول بعض النحاة المحققين : إن المضمر واسم الإشارة كلي وضعا جزئي استعمالا ، ونظيره قول بعض الأصوليين أن الأمر موضوع للقدر المشترك بين الوجوب والندب ، وهو الطلب حذرا من المجاز والاشتراك ، فاستعمال صيغة الأمر في الندب وفي الوجوب مثلا نقول في كل منها إنه حقيقة غير مجاز وغير مشترك ؛ لأن الوضع على هذا القول ليس لكل منهما ولا لواحد منهما ثم استعمل في غيره ، وإنما هو لمعنى صادق على كل منهما وهو الطلب ، وكذا نقول في اسم الإشارة والمضمر : ليس الوضع فيهما لواحد فقط بحيث يستعمل في غيره مجازا ، ولا لكل واحد بحيث يكون مشتركا ، بل لمفهوم صادق على كل فرد وهو في اسم الإشارة مشار إليه مفرد ذكر حاضر كما قلناه ، وفي المضمر متكلم مفرد أو غيره كما قاله القرافي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية