الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              367 - غالب القطان .

              ومنهم المتعبد اليقظان ، غالب بن خطاف القطان ، كان في عبادة ربه راجحا ، ولعبيده وخلقه ناصحا .

              [ ص: 183 ] حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا سيار ، ثنا جعفر . قال : سمعت غالبا القطان . يقول في دعائه : اللهم ارحم في دار الدنيا غربتنا ، وارحم لنزول الموت مصرعنا ، وآنس في القبور وحشتنا ، وارحم بسط أيدينا وفغر أفواهنا ، ومنشر وجوهنا ، وارحم وقوفنا بين يديك .

              ثنا إبراهيم بن عبد الملك ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا مروان بن سالم القرشي ، ثنا مسعدة بن اليسع بن قيس الباهلي ، عن سليمان بن أبي محمد ، ثنا غالب القطان ، أن أناسا أتوه في قسمة ميراث لهم ، فقسمه معهم يومهم أجمع ، حتى إذا أمسى آوى إلى فراشه وقد لغب ، فاتكأ على مسجد له فغلبته عينه ، فأتاه المؤذن يثوب ، قالت له المرأة : ألا ترى المؤذن يرحمك الله يثوب على رأسك ؟ قال : ويحك ، ذريني فإنك جاهلة بما لقيت اليوم . قال فثوب مرارا ، والمرأة كل ذلك تبعثه ، ويقول لها ذلك : ذريني حتى انتصف الليل ، فقام فصلى فلم يذكر كم صلى الإمام ولا عرفه ، فأعاد المكتوبة أربعا وعشرين مرة ، ثم أخذ مضجعه ، فرأى فيما يرى النائم أنه ينطلق من منزله إلى كريجة ، فوجد في الطريق أربع دنانير ومعه كيس فيه ثلاث أبواب ، فطرح الدنانير في باب من تلك الأبواب ، قال : فلبثت غير كثير ، فإذا الدنانير ينشدها من يذكر الدنانير الأربعة رحمك الله مرارا ، قال : فجعلت أتغامس عنه ، ثم دعوته بعد ذلك ، فقلت : يا صاحب الدنانير ، هذه دنانيرك فذهبت لأفتح الكيس لأعطيه الدنانير ، فإذا الكيس قد تخرق وذهبت الدنانير ، فقلت : يا صاحب الدنانير ، إن دنانيرك قد ذهبت فخذ شراءها ، فضبط بناحية ثوبي ، وقال : لا أقبل إلا دنانيري بأعيانها . فاستيقظت وهو آخذ بناحية ثوبي ، فغدوت على ابن سيرين فقصصت عليه . فقال : أما إنك نمت عن صلاة العشاء الآخرة ، فاستغفر الله ولا تعد لمثلها .

              قال سليمان : وأخبرني غالب القطان قال : ثم ابتليت بمثلها فاتكأت على ذلك المسجد ، فأذن المؤذن وثوب كل ذلك تبعثني المرأة الصلاة يرحمك الله ، فنمت [ ص: 184 ] إلى الحين الذي نمت فيه المرة الأولى ، فقمت ، فصليت نحو ما صليت المرة الأولى ، ثم أخذت مضجعي ، فرأيت أني وأصحابا لي على بغال شهب هماليج ، وأناس قدامنا على الإبل نيام في المحامل ، على فرش وطئة تحدو بهم الحداة ، وهم على رسلهم ، وأنا وأصحابي مجتهدون على أن نلحقهم ، حتى بلغ جهدنا ، فنادينا : يا معاشر الحداة ، ما لنا على البغال الهماليج ، وأنتم على الإبل على رسلكم ونحن نجتهد فلا ندرككم ؟ ! فأجابتنا الحداة إنا قوم صلينا في جمع صلاة العشاء الآخرة ، وأنتم صليتم فرادى فلن تلحقونا ، قال : فغدوت على محمد بن سيرين فحدثته ، فقال : هو كما رأيته .

              حدثنا أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم الرازي ، حدثني محمد بن المثنى ، ثنا المفضل بن نوح الراسبي . قال : سمعت غالبا القطان . قال : جئت من ضيعتي وأنا كال ، مغلوب فوضعت رأسي فأقيمت العشاء الآخرة ، فقالت المرأة : الصلاة ، فقلت : دعيني فنمت هويا ، ثم قمت فتوضأت وصليت ، فقلت : إن كانت الجماعة فاتتني فلن يفوتني أن آخذ بحظي من الليل ، فصليت ، ثم وضعت رأسي ، فأرى في منامي كأني في مقعد بالكلأ ، ومناد ينادي الدنانير كلها أربعة ، وهى عندي ينشدها ، فأخرجتها أن أعطيها إياه فلم يقبلها ، وقال : لو أنك أعطيتها حيث نشدتها قبلتها منك ، فأتيت محمد بن سيرين ، فذكرت ذلك له ، فقال : تلك الصلاة نمت عنها .

              حدثنا أبي ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو حاتم ، ثنا الحسين بن عيسى بن عمران ، ثنا أبو عبد الرحمن الزراد ، ثنا غالب القطان . قال : أغفيت ليلة عن صلاة العشاء الآخرة ، فرأيت فيما يرى النائم كأني مع أناس على بغال شهب ، وبين يدي ناس على محامل ، وحاد يحدو بهم ، وهم يسيرون على مهل ، ونحن على البغال نطرد طردا ، ننظر إليهم ولا نلحقهم ، قال : فأتيت محمد بن سيرين ، فقصصت عليه رؤياي ، فقال : صليت البارحة في جماعة ؟ قلت : لا . قال : أولئك أصحاب المحامل الذين صلوا في جماعة ، وأنتم أصحاب بغال شهب تجهدوا أن تدركوا فضل أولئك ، ولا تدركون .

              حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا الحسن بن محمد ، ثنا أبو زرعة ، ثنا سعيد بن عبد الجبار ، ثنا الفرات - يعني ابن [ ص: 185 ] أبي الفرات - قال : سمعت غالبا القطان ، يحدث أنه رأى في المنام كأن قوما في محامل في قطار نيام ، وكأن قوما على بغال شهب يدأبون ، وأصحاب القطار على هينتهم ، فلم يلحقوهم عامة الليل ، قال : فقلت ما رأيت كالليلة ؟ ! إنا هذه الليلة دائبون فلا نلحقهم ! فقال لي رجل : أما تدري ما هؤلاء ؟ هؤلاء صلوا في جماعة ، ثم ناموا ، وأنتم تطوعتم تجهدون فليس تلحقونهم .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عمران ، حدثني عمي أيوب بن عمران . قال : حدثت عن غالب القطان . قال : فاتتني صلاة العشاء في جماعة فصليت خمسا وعشرين مرة ؛ أبتغي به الفضل ، ثم نمت فرأيت في منامي كأني على فرس جواد أركض ، وهؤلاء في المحامل لا ألحقهم ، فقيل : إنهم صلوا في جماعة وصليت وحدك .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أحمد بن إبراهيم ح . وحدثنا عثمان بن محمد العثماني ، ثنا أبو بكر المتوثي ، ثنا أبو الأشعث ، قالا : ثنا ابن علية ، ثنا غالب القطان . قال : رأيت الحسن في المنام في سكة الموالي ، وحال الجدول بيني وبينه وبيده ريحان ، وهو يمسح يديه من غمرة ، فقلت : أخبرني بأمر يسير عظيم الأجر ، قال : نعم ، نصيحة بقلبك ، وذكرا بلسانك ، انقلب بهما .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، ثنا محمد بن موسى ، ثنا عبد العزيز القرشي ، عن جعفر بن سليمان ، عن غالب القطان . قال : لما اشتد كرب يوسف - عليه السلام - وطال سجنه ، واتسخت ثيابه ، وشعث رأسه ، وجفاه الناس ، دعا عند تلك الكربة قال : اللهم أشكو إليك ما لقيت من ودي وعدوي ؛ أما ودي فباعوني وأخذوا ثمني ، فحبسني ، اللهم اجعل لي فرجا ومخرجا ، فأعطاه الله ذلك .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثني المنهال بن عيسى العبدي ، ثنا غالب القطان ، عن بكر بن عبد الله المزني . قال : من يأت الخطيئة وهو يضحك ، دخل النار وهو يبكي ! ! .

              [ ص: 186 ] حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن أبي يحيى المديني ، ثنا محمد بن يحيى الزماني ، ثنا بشر بن المفضل ، ثنا غالب . قال : قلت للحسن : إن من جلسائك من يقول إذا كان يوم الجمعة فلا تقل : اللهم اغفر لنا ، فإن في المسجد الشرطي واللوطي وذكر أشياء من هذا النحو . فقال : أيها الرجل ، اجتهد في الدعاء ، وعم في النصيحة ، فإنما أنت شافع ، فإن أعطاك الله ما تريد فذاك ، وإلا رد عليك فضل نصيحتك .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية