الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              ( ومن وصاياه ومواعظه )

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، ثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني عبد الله بن الوليد قال : سمعت عبد الرحمن بن حجيرة يحدث عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول إذا [ ص: 134 ] قعد : إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة . فمن يزرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ، ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ، ولكل زارع مثل ما زرع ، لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ، فمن أعطي خيرا فالله تعالى أعطاه ، ومن وقي شرا فالله تعالى وقاه ، المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة .

              حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ، وسليمان بن أحمد ، قالا : ثنا أبو خليفة ، ثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا قرة بن خالد ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : قال عبد الله : ما منكم إلا ضيف وماله عارية ، والضيف مرتحل ، والعارية مؤداة إلى أهلها .

              حدثنا محمد بن علي في جماعة ، قالوا : ثنا عبد الله بن محمد البغوي ، ثنا علي بن الجعد ، ثنا شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، قال : أتاه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن ، علمني كلمات جوامع نوافع . فقال : اعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وزل مع القرآن حيث زال ، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا ، ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وإن كان حبيبا قريبا .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الرحمن بن سلم ، ثنا هناد بن السري ، ثنا ابن نمير ، عن موسى بن عبيدة ، عن أبي عمرو ، قال : قال عبد الله : الحق ثقيل مري ، والباطل خفيف وبي ، ورب شهوة تورث حزنا طويلا .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن عبد العزيز ، وبشر بن موسى ، قالا : ثنا أبو نعيم ، ثنا الأعمش ، عن يزيد بن حيان ، عن عيسى بن عقبة ، قال : قال عبد الله بن مسعود : والله الذي لا إله إلا هو ، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا خلاد بن يحيى ، ثنا مسعر ، عن معن . قال : قال عبد الله بن مسعود : إن للقلوب شهوة وإقبالا ، وإن للقلوب فترة وإدبارا ، فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها ، ودعوها عند فترتها وإدبارها .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني [ ص: 135 ] أبي ، ثنا جرير ، عن منصور ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، قال : قال عبد الله : إياكم وحزائز القلوب ، وما حز في قلبك من شيء فدعه .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أبو يحيى الرازي ، ثنا هناد بن السري ، ثنا أبو الأحوص ، عن سعيد بن مسروق ، عن منذر ، قال : جاء ناس من الدهاقين إلى عبد الله بن مسعود ، فتعجب الناس من غلظ رقابهم وصحتهم ، قال : فقال عبد الله : إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسما ، وأمرضهم قلبا ، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا ، وأمرضهم جسما ، وايم الله لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن أبي سهل ، ثنا عبد الله بن محمد العبسي ، ثنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أخيه ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : من استطاع منكم أن يجعل كنزه حيث لا يأكله السوس ، ولا تناله السراق فليفعل ، فإن قلب الرجل مع كنزه .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : جاء عتريس بن عرقوب الشيباني إلى عبد الله ، فقال : هلك من لم يأمر بالمعروف ، ولم ينه عن المنكر ، قال : بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف ، وينكر قلبه المنكر .

              حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد ، وسليمان بن أحمد ، قالا : ثنا أبو خليفة ، ثنا أبو الوليد ، ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأسود ، عن عبد الله ، قال : يذهب الصالحون أسلافا ، ويبقى أهل الريب من لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا .

              حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا عمر بن حفص ، ثنا عاصم بن علي ، ثنا المسعودي ، عن القاسم ، قال : قال رجل لعبد الله : أوصني يا أبا عبد الرحمن ، قال : ليسعك بيتك ، واكفف لسانك ، وابك على ذكر خطيئتك .

              حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة ، ثنا محمد بن يحيى بن سليمان ، ثنا عاصم بن علي ثنا المسعودي ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : سمع عبد الله رجلا ، يقول : أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة ؟ فقال عبد الله : أولئك أصحاب الجابية ، اشترط خمسمائة من المسلمين أن لا يرجعوا حتى يقتلوا ، فحلقوا رءوسهم ولقوا العدو فقتلوا إلا مخبر عنهم .

              [ ص: 136 ] حدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن شبل ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله ، قال : أنتم أكثر صياما ، وأكثر صلاة ، وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرا منكم ، قالوا : لم يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : هم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة .

              حدثنا عبد الرحمن بن العباس ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، ثنا محمد بن مقاتل ، ثنا ابن المبارك ، ثنا سفيان ، عن العلاء بن المسيب ، عن إبراهيم ، قال : قال ابن مسعود : ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله ، فمن كانت راحته في لقاء الله فكأن قد .

              حدثنا محمد بن حميد ، ثنا أحمد بن الحسن ، ثنا أبو ياسر - عمار بن نصر - حدثني محمد بن نبهان ، حدثني يزيد بن أبي زياد ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنتم إذا التبستكم فتنة ، فتتخذ سنة يربو منها الصغير ويهرم فيها الكبير ، وإذا ترك منها شيء قيل تركت سنة " قالوا : متى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا كثر قراؤكم ، وقلت علماؤكم ، وكثرت أمراؤكم ، وقلت أمناؤكم ، والتمست الدنيا بعمل الآخرة ، وتفقه لغير الله " قال عبد الله : فأصبحتم فيها .

              كذا رواه محمد بن نبهان مرفوعا ، والمشهور من قول عبد الله موقوف .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا محمد بن جعفر الوركاني ، أخبرنا شريك ، عن أبي حصين ، عن يحيى بن وثاب ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : إذا أصبح أحدكم صائما - أو قال : إذا كان أحدكم صائما - فليترحل ، وإذا تصدق بصدقة بيمينه فليخفها عن شماله ، وإذا صلى صلاة أو صلى تطوعا فليصلها في داخله .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن النضر ، ثنا معاوية بن عمرو ، ثنا زائدة ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : لا يقلدن أحدكم دينه رجلا ، فإن آمن آمن ، وإن كفر كفر ، فإن كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة .

              حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا عمر بن حفص السدوسي ، ثنا عاصم بن علي المسعودي ، عن سلمة بن كهيل ، عن عبد الرحمن بن [ ص: 137 ] يزيد ، قال : قال عبد الله : لا يكونن أحدكم إمعة ، قالوا : وما الإمعة ، يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : يقول أنا مع الناس ، إن اهتدوا اهتديت ، وإن ضلوا ضللت . ألا ليوطنن أحدكم نفسه على إن كفر الناس أن لا يكفر .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود ، قال : ثلاث أحلف عليهن ، والرابعة لو حلفت عليها لبررت . لا يجعل الله عز وجل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له ، ولا يتولى الله عبد في الدنيا إلا فولاه غيره يوم القيامة ، ولا يحب رجل قوما إلا جاء معهم ، والرابعة التي لو حلفت عليها لبررت ، لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة .

              حدثني عبد الله بن محمد ، ثنا أبو عبد الله محمد بن أبي سهل ، ثنا عبد الله بن محمد العبسي ، ثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن أبي الحكم - أو الحكم - عن أبي وائل عن عبد الله قال : ما أحد من الناس يوم القيامة إلا يتمنى أنه كان يأكل في الدنيا قوتا ، وما يضر أحدكم على ما أصبح وأمسى من الدنيا إلا أن تكون في النفس حزازة ; ولأن يعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ، ثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الله - أو عبيد الله - بن مكرز ، قال : قال عبد الله بن مسعود : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور السماوات والأرض من نور وجهه ، وإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده اثنتا عشر ساعة ، فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار فينظر فيها ثلاث ساعات ، ويسبحه حملة العرش ، وسرادقات العرش ، والملائكة المقربون ، وسائر الملائكة ، ثم ينفخ جبريل بالقرن فلا يبقى شيء إلا سمع صوته ، فيسبحون الرحمن ثلاث ساعات حتى يمتلئ الرحمن رحمة ، فتلك ست ساعات ، ثم يؤتى بالأرحام فينظر فيها ثلاث ساعات ، وهو قوله في كتابه : ( يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) ، ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ) الآية ، فتلك التسع ساعات ثم يؤتى بالأرزاق [ ص: 138 ] فينظر فيها ثلاث ساعات ، وهو قوله : ( يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) ، ( كل يوم هو في شأن ) قال : هذا من شأنكم ، وشأن ربكم عز وجل .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن أبي قيس الأودي ، عن هذيل بن شرحبيل ، قال : قال عبد الله : من أراد الدنيا أضر بالآخرة ، ومن أراد الآخرة أضر بالدنيا ، يا قوم فأضروا بالفاني للباقي .

              حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ، ثنا إبراهيم بن سعدان ، ثنا بكر بن بكار ، ثنا حبيب بن حبان ، ثنا المسيب بن رافع ، قال : أخبرني إياس البجلي ، قال : سمعت ابن مسعود ، يقول : من راءى في الدنيا راء الله به يوم القيامة ، ومن يسمع في الدنيا يسمع الله به يوم القيامة ، ومن يتطاول تعظما يضعه الله ، ومن يتواضع تخشعا يرفعه الله .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية