الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا الشيخ الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد الوراق ، ثنا العباس بن أحمد الشاشي ، ثنا أبو عقيل الرصافي ، ثنا أحمد بن عبد الله الزاهد قال : سمعت شقيق بن إبراهيم البلخي يقول : قال إبراهيم بن أدهم : " أقرب الزهاد من الله عز وجل أشدهم خوفا ، وأحب الزهاد إلى الله أحسنهم له عملا ، وأفضل الزهاد عند الله أعظمهم فيما عنده رغبة ، وأكرم الزهاد عليه أتقاهم له ، وأتم الزهاد زهدا أسخاهم نفسا وأسلمهم صدرا ، وأكمل الزهاد زهدا أكثرهم يقينا " .

              قال : وسمعت شقيقا يقول : قال إبراهيم بن أدهم : " الزاهد يكتفي من الأحاديث والقال والقيل وما كان وما يكون بقول الله تعالى : ( لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين ) يوم يقال : ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) .

              قال إبراهيم : فبلغني أن الحسن قال في قوله : " ( كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) لكل آدمي قلادة فيها نسخة عمله ، فإذا مات طويت وقلدها ، فإذا بعث نشرت ، وقيل : ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ابن آدم لقد أنصفك ربك وعدل عليك من جعلك حسيب نفسك ، يا ابن آدم فكايس عنها فإنها إن وقعت لم تنج " ، قال شقيق : قال إبراهيم : فمن فهم هذا بقلبه استنار وأشرق وأيقن وهدي واعتصم إن شاء الله .

              قال شقيق : " والزاهد والراغب كرجلين يريد أحدهما المشرق والآخر يريد المغرب ، هل يتفقان على أمر واحد وبغيتهما مخالفة هواهما شتى ؟ دعاء الراغب : اللهم ارزقني مالا وولدا وخيرا ، وانصرني على أعدائي ، وادفع عني شرورهم وحسدهم وبغيهم وبلاءهم وفتنتهم آمين ، ودعاء الزاهد : اللهم ارزقني علم الخائفين ، وخوف العاملين ، ويقين المتوكلين ، وتوكل الموقنين ، وشكر الصابرين ، وصبر الشاكرين ، وإخبات المغلبين ، وإنابة المخبتين ، وزهد الصادقين ، وألحقني بالشهداء والأحياء المرزوقين ، آمين رب العالمين .

              هذا دعاؤه ، هل من شيء من دعاء الراغب يحيط به ؟ لا والله هذا طريق وذاك طريق " .

              [ ص: 71 ] حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن عيسى ، ثنا سعيد بن العباس ، ثنا أبي ، ثنا حاتم ، قال : سمعت شقيقا يقول : " مثل المؤمن كمثل رجل غرس نخلة وهو يخاف أن يحمل شوكا ، ومثل المنافق كمثل رجل زرع شوكا وهو يطمع أن يحصد تمرا ، هيهات هيهات كل من عمل حسنا فإن الله لا يجزيه إلا حسنا ولا تنزل الأبرار منازل الفجار " .

              قال شقيق : " ولو أن رجلا كتب جميع العلم لم ينتفع به حتى يكون فيه خصلتان : حتى يكون فعله التفكير والعبر ، وقلبه فارغا للتفكر ، وعينه فارغة للعبر ، كلما نظر إلى شيء من الدنيا كان له عبرة ، المؤمن مشغول بخصلتين ، والمنافق مشغول بخصلتين ، المؤمن بالعبر والتفكر ، والمنافق مشغول بالحرص والأمل " .

              وقال شقيق : " أربعة أشياء من طريق الاستقامة : لا يترك أمر الله لشدة تنزل به ، ولا يتركه لشيء يقع في يده من الدنيا ، فلا يعمل بهوى أحد ، ولا يعمل بهوى نفسه ; لأن الهوى مذموم ، ليعمل بالكتاب والسنة " .

              وقال شقيق : " متى أغفل العبد قلبه عن الله والتفكر في صنعه ومنته عليه ثم مات مات عاصيا ; لأن العبد ينبغي له أن يكون قلبه أبدا مع الله يقول : يا رب أعطني الإيمان ، وعافني من البلاء ، واستر لي من عيوبي وارزقني واجعل نعمك متوالية علي ، فهو أبدا متفكر في نعم الله عليه ، فالتفكر في منة الله شكر ، والغفلة عنه سهو " .

              قال شقيق : " ولا تكونن ممن يجمع بحرص ويحسبه بشك ويخلفه على الأعداء ، وينفقه في الرياء ، فيؤخذ في الحساب ويعاقب عليه إن لم يعف الله عز وجل " .

              حدثنا محمد بن الحسين بن موسى ، ثنا محمد بن سعيد البلخي ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت محمد بن عبد يقول : سمعت محمد بن الليث يقول : سمعت حامدا يقول : سمعت حاتما يقول : سمعت شقيقا يقول : " من دار حول العلو فإنما يدور حول النار ، ومن دار حول الشهوات فإنما يدور حول درجاته في الجنة ليأكلها وينقصها في الدنيا " .

              وقال شقيق : " ليس شيء أحب إلي من الضيف ; لأن رزقه ومؤنته على الله وأجره على الله " .

              وقال : " اتق الأغنياء فإنك متى ما عقدت قلبك معهم ، وطمعت فيهم فقد اتخذتهم ربا من دون الله عز وجل " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية