الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وآتوهن أجورهن بالمعروف ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في تفسير الآية قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن المراد من الأجور : المهور ، وعلى هذا التقدير فالآية تدل على وجوب مهرها إذا نكحها ، سمى لها المهر أو لم يسم ؛ لأنه تعالى لم يفرق بين من سمى ، وبين من لم يسم في إيجاب المهر ، ويدل على أنه قد أراد مهر المثل قوله تعالى : ( بالمعروف ) وهذا إنما يطلق فيما كان مبنيا على الاجتهاد وغالب الظن في المعتاد والمتعارف كقوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) [ البقرة : 233 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال القاضي : إن المراد من أجورهن النفقة عليهن ، قال هذا القائل : وهذا أولى من الأول ؛ لأن المهر مقدر ، ولا معنى لاشتراط المعروف فيه ، فكأنه تعالى بين أن كونها أمة لا يقدح في وجوب نفقتها وكفايتها كما في حق الحرة إذا حصلت التخلية من المولى بينه وبينها على العادة ، ثم قال القاضي : اللفظ وإن كان يحتمل ما ذكرناه فأكثر المفسرين يحملونه على المهر ، وحملوا قوله : ( بالمعروف ) على إيصال المهر إليها على العادة الجميلة عند المطالبة من غير مطل وتأخير .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : نقل أبو بكر الرازي في أحكام القرآن عن بعض أصحاب مالك أن الأمة هي المستحقة لقبض مهرها ، وأن المولى إذا آجرها للخدمة كان المولى هو المستحق للأجر دونها وهؤلاء احتجوا في المهر بهذه الآية ، وهو قوله : ( وآتوهن أجورهن ) وأما الجمهور فإنهم احتجوا على أن مهرها لمولاها بالنص والقياس ، أما النص فقوله تعالى : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ) [ النحل : 75 ] وهذا ينفي كون المملوك مالكا لشيء أصلا ، وأما القياس فهو أن المهر وجب عوضا عن منافع البضع ، وتلك المنافع مملوكة للسيد ، وهو الذي أباحها للزوج بقيد النكاح ، فوجب أن يكون هو المستحق لبدلها .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عن تمسكهم بالآية من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنا إذا حملنا الأجور في الآية على النفقة زال السؤال بالكلية .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه تعالى إنما أضاف إيتاء المهور إليهن لأنه ثمن بضعهن وليس في قوله : ( وآتوهن ) ما يوجب كون المهر ملكا لهن ، ولكنه عليه الصلاة والسلام قال : " العبد وما في يده لمولاه " فيصير ذلك المهر ملكا للمولى بهذه الطريق ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية