الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            النوع الثاني : من الأمور التي اشتملت عليها هذه الآية :

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وإن تك حسنة يضاعفها ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير " حسنة " بالرفع على تقديره " كان " التامة ، والمعنى : وإن حدثت حسنة ، أو وقعت حسنة ، والباقون بالنصب على تقدير " كان " الناقصة والتقدير : وإن تك زنة الذرة حسنة . وقرأ ابن كثير وابن عامر " يضعفها " بالتشديد من غير ألف ، من التضعيف ، والباقون " يضاعفها " بالألف والتخفيف ، من المضاعفة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : تك : أصله من " كان يكون " ، وأصله " تكون " سقطت الضمة للجزم ، وسقطت الواو لسكونها وسكون النون ، فصار " تكن " ، ثم حذفوا النون أيضا لأنها ساكنة . وهي تشبه حروف اللين ، وحروف اللين إذا وقعت طرفا سقطت للجزم ، كقولك : لم أدر ، أي لا أدري ، وجاء القرآن بالحذف والإثبات ، أما الحذف فههنا ، وأما الإثبات ، فكقوله : ( إن يكن غنيا أو فقيرا ) [ النساء : 135 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : أن الله تعالى بين بقوله : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) أنه لا يبخسهم حقهم أصلا ، وبين بهذه الآية أن الله تعالى يزيدهم على استحقاقهم .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن المراد من هذه المضاعفة ليس هو المضاعفة في المدة ؛ لأن مدة الثواب غير متناهية ، وتضعيف غير المتناهي محال ، بل المراد أنه تعالى يضعفه بحسب المقدار : مثلا يستحق على طاعته عشرة أجزاء من الثواب ، فيجعله عشرين جزءا ، أو ثلاثين جزءا ، أو أزيد . روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : يؤتى بالعبد يوم القيامة وينادي مناد على رءوس الأولين والآخرين : هذا فلان ابن فلان ، من كان له عليه حق فليأت إلى حقه ، ثم يقال له : أعط هؤلاء حقوقهم ، فيقول : يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول الله لملائكته : انظروا في أعماله الصالحة فأعطوهم منها ، فإن بقي مثقال ذرة من حسنة ضعفها الله تعالى لعبده وأدخله الجنة بفضله ورحمته . مصداق ذلك في كتاب الله تعالى : ( وإن تك حسنة يضاعفها ) وقال الحسن : قوله : ( وإن تك حسنة يضاعفها ) هذا أحب إلى العلماء مما لو قال : في الحسنة الواحدة مائة ألف حسنة ؛ لأن ذلك الكلام يكون مقداره معلوما ، أما على هذه العبارة ، فلا يعلم كمية ذلك التضعيف إلا الله تعالى ، وهو كقوله في ليلة القدر إنها خير من ألف شهر . وقال أبو عثمان النهدي : بلغني عن أبي هريرة أنه قال : إن الله ليعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ، فقدر الله أن ذهبت إلى مكة حاجا أو معتمرا ، فألفيته ، فقلت : بلغني عنك أنك تقول : إن الله يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ، قال أبو هريرة : لم أقل ذلك ، ولكن قلت : إن الحسنة تضاعف بألفي ألف ضعف ، ثم تلا هذه الآية وقال : إذا قال الله : ( أجرا عظيما ) فمن يقدر قدره .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية