الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما ما احتج الجبائي به على مذهبه من قوله : ( وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) .

                                                                                                                                                                                                                                            فالجواب عنه من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه تعالى قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) [ الشعراء : 80 ] أضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله ، فلم يقدح ذلك في كونه تعالى خالقا للمرض والشفاء ، بل إنما فصل بينهما رعاية الأدب ، فكذا ههنا ، فإنه يقال : يا مدبر السماوات والأرض ، ولا يقال يا مدبر القمل والصيبان والخنافس ، فكذا ههنا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أكثر المفسرين قالوا في تفسير قول إبراهيم : ( هذا ربي ) أنه ذكر هذا استفهاما على سبيل الإنكار ، كأنه قال : أهذا ربي ؟ فكذا ههنا ، كأنه قيل : الإيمان الذي وقع على وفق قصده قد بينا أنه ليس واقعا منه ، بل من الله ، فهذا الكفر ما قصده وما أراده وما رضي به البتة ، أفيدخل في العقل أن يقال : إنه وقع به ؟ فإنا بينا أن الحسنة في هذه الآية يدخل فيها الإيمان ، والسيئة يدخل فيها الكفر ، أما قراءة من قرأ ( فمن تعسك ) فنقول : إن صح أنه قرأ بهذه الآية واحد من الصحابة والتابعين فلا طعن فيه ، وإن لم يصح ذلك فالمراد أن من حمل الآية على أنها وردت على سبيل الاستفهام على وجه الإنكار ذكر في تفسير الاستفهام على سبيل الإنكار هذا الكلام ، لأنه لما أضاف السيئة إليهم في معرض الاستفهام على سبيل الإنكار كان المراد أنها غير مضافة إليهم ، فذكر هذا القائل قوله : ( فمن تعسك ) لا على اعتقاد أنه من القرآن ، بل لأجل أنه يجري مجرى التفسير لقولنا : إنه استفهام على سبيل الإنكار ، ومما يدل دلالة ظاهرة على أن المراد من هذه الآيات إسناد جميع الأمور إلى الله تعالى ، قوله تعالى بعد هذه الآية : ( وأرسلناك للناس رسولا ) يعني ليس لك إلا الرسالة والتبليغ ، وقد فعلت ذلك وما قصرت ( وكفى بالله ) [ ص: 154 ] ( شهيدا ) على جدك وعدم تقصيرك في أداء الرسالة وتبليغ الوحي ، فأما حصول الهداية فليس إليك بل إلى الله ، ونظيره قوله تعالى : ( ليس لك من الأمر شيء ) [ آل عمران : 128 ] وقوله : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) [ القصص : 56 ] فهذا جملة ما خطر بالبال في هذه الآية ، والله أعلم بأسرار كلامه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم إنه تعالى أكد هذا الذي قلناه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية